صراع القطاعات يعمق مأزق الحكومة التونسية – مصدر24

صراع القطاعات يعمق مأزق الحكومة التونسية

نفذ المحامون التونسيون، الجمعة، إضرابا عاما تنديدا بـ”انتهاكات” تسبب فيها أمنيون بحق زميلتهم، ما ينذر بـ”صراع قطاعات” في تونس سيلقي بظلاله على أزمة الحكومة التونسية الجديدة التي يرأسها هشام المشيشي، حيث يطالب الطرفان (الأمنيون والمحامون) بقوانين جديدة تحصّنهم من الاعتداءات.

تونس – تُثير المعركة التي دخل فيها المحامون في تونس ضد الأمنيين مخاوف من أن تنعكس هذه التجاذبات على أداء الحكومة، وتعمق أزمتها، خاصة في ظل مطالبات من كلا الطرفين بالحصول على ضمانات قانونية بذريعة حمايتهم من الانتهاكات.

وقرّر المحامون، الجمعة، تنفيذ إضراب بعد الاعتداء على زميلتهم في الآونة الأخيرة، ويواصلون الضغط على وزارة العدل لتتم محاكمة الأمني الذي أهانها، فيما تتالى الدعوات بضرورة الإسراع في استكمال مراحل إعداد مشروع قانون منظم لمهنة المحاماة.

وشدد المحامون على أن هذا القانون عنصر لدفع وتطوير ممارسة مهمة الدفاع عن المتقاضين من جهة، كما يقي القطاع من الانتهاكات من جهة ثانية.

وتأتي احتجاجات المحامين، تنديدا بانتهاكات النقابات الأمنية، على خليفة الاعتداء على المحامية نسرين القرناح “من قبل رئيس مركز أمني بأحد ضواحي العاصمة في أغسطس الماضي”.

وفيما اتهم المحامون رئيس المركز بالاعتداء على زميلتهم أثناء قيامها بالدفاع عن موكّلها إضافة إلى توجسهم من طمس أجزاء من التسجيل المرئي للحادثة، تنفي في المقابل نقابة أمنية الاعتداء على المحامية.

إبراهيم بودربالة: التجاوزات الأمنية لا تنبئ باحترام استقلالية القضاء
إبراهيم بودربالة: التجاوزات الأمنية لا تنبئ باحترام استقلالية القضاء

ودعا عميد المحامين إبراهيم بودربالة الجمعة إلى وقفة احتجاجية أمام المحكمة الابتدائية بتونس مع مسيرة إلى ساحة الحكومة “تنديدا بالضغوط الأمنية للإفلات من العقاب”، مؤكدا على أن “مجلس هيئة المحامين سيدرس خطوات تصعيدية ولن يتنازل عن حق المحامية”.

وقال بودربالة في تصريح لـ”العرب”، “نريد أن يقوم القضاء بدوره بشكل مستقل وألا يخضع لتأثير أي طرف”، لافتا إلى أن “المحامين راضون بقرارات القضاء حين تحترم الإجراءات وتحترم حقوق الدفاع ولا يقع طمس الحجج التي تثبت إدانة الجاني”.

وأوضح أن “المحامين ليسوا في خصومة مع المؤسسة الأمنية”، مشيرا إلى أنه في صورة صدور انحرافات من قبل أحد أعضاء هذه المؤسسة فيجب أن يلقى هذا الطرف الجزاء المناسب.

ويعتزم مجلس الهيئة الوطنية للمحامين تأسيس مرصد وطني لرصد انتهاكات حقوق الدفاع في جميع أطوار المحاكمة بالتعاون مع بقية المجتمع المدني.

وأشار بودربالة إلى أنه سيقوم بتقديم شكوى جزائية لدى النيابة العمومية المختصة ضد النقابة الجهوية لقوات الأمن الداخلي بولاية بن عروس أين وقع الاعتداء على المحامية نسرين القرناح “من أجل جرائم مخلة بالأمن العام واستغلال صلاحيات الوظيفة”.

كما قرر المجلس توجيه مراسلات إلى الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية، الحكومة، برلمان) وإلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء لبيان ملابسات الاعتداء على المحامية.

وحث المجلس هؤلاء على “اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية مقومات الدولة وضمان تطبيق القانون وإصدار النصوص اللازمة لضمان المساواة أمام القانون، وإحداث شرطة قضائية تابعة لوزارة العدل”.

وما فاقم من توتير الأجواء الضغوط التي مارسها الأمنيون على القضاء.

وذكرت تقارير إعلامية محلية أن عددا من الأمنيين تجمعوا، السبت الماضي، بأعداد كبيرة خارج المحكمة الابتدائية ببن عروس، في الوقت الذي يتواجد فيه عدد من المحامين بالفضاء الداخلي للمحكمة، في خطوة أثارت غضبا عارما من قبل المحامين والقضاة. وبين بودربالة أن “عددا كبيرا من قوات الأمن حاصروا المحكمة وبثوا جوا من الرعب والخوف”. ورأى أن “التجاوزات الأمنية لا تنبئ باحترام استقلالية القضاء”.

وبدورهم، أدان القضاة هذه الخطوة الاستفزازية من قبل النقابات الأمنية. وأكدت جمعيتهم أنّ القضاة يرفضون العمل تحت التهديد والتهميش، ملوّحة بالتوقف عن العمل والإضراب، محملة المسؤولية في تردي وضع المرفق القضائي وتهميشه والتطاول عليه إلى جميع أجهزة الدولة وجميع القطاعات.

ودعت جمعية القضاة رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس نواب الشعب والمجلس الأعلى للقضاء إلى تحمل مسؤولياتها في دعم وتكريس استقلال القضاء والسلطة القضائية ودعم الاستقلال الذاتي للقضاة.

عصام الشابي: صراع القطاعات هو أحد مظاهر وهن الدولة وضعفها
عصام الشابي: صراع القطاعات هو أحد مظاهر وهن الدولة وضعفها

ويرى متابعون أن الدخول قطاعات الأمن والقضاء والمحاماة في صراعات يفاقم أزمات البلاد ويعمق الهوة أكثر بين الشارع والطبقة السياسية في ظل انشغال كل طرف بتحسين ظروف عمله ومساعيه للحصول على مزايا قانونية، فيما يقع إهمال مطالب الشارع الحقيقية.

ويشير هؤلاء إلى ضرورة إرجاء هذا الصراع في ظل الأزمة الصحية التي تعيشها البلاد بسبب ارتفاع الإصابات بوباء كورونا المستجد، فيما تشكو الحكومة قلة الإمكانيات والضغوط المستمرة.

وفي هذا الصدد قال عصام الشابي، الأمين العام للحزب الجمهوري، إن “صراع القطاعات هو أحد مظاهر وهن وضعف الدولة”. وأشار إلى أن ذلك يعدّ شوطا متقدما من صراع مفتوح لمؤسسات الدولة والحرب بين الرئاسات الثلاث التي لم تضع أوزارها بعد.

وتابع الشابي في تصريح لـ”العرب” “هناك نظرة فئوية اليوم فالكل في صراع ضد الكل، وكل قطاع يريد أن يجرّم البقية وينتزع لفئته أكثر ما يمكن من المكاسب في ظل ضعف الدولة”.

وسيصعّب هذا الصراع مهمة الحكومة الحاضرة بالغياب، في ظل افتقادها لبرنامج وارتباكها الاتصالي، وفق ما ذهب إليه الشابي.

وفي ظل التخبط الحكومي، يرى أن “التونسيين لا يشعرون أنهم تحت قيادة لديها رؤية واضحة بسبب انشغال كل قطاع بتحقيق المكاسب”.

وأمام مساعي كل قطاع للحصول على حصانة ومزايا قانونية، يستبعد الشابي قدرة الدولة على سن قانون حصانة لكل قطاع، كما أن هذه المطالب ستزيد من سخونة البرلمان وتنبئ بسنة برلمانية صعبة.

وكان قانون يعزز الحماية لرجال الأمن في البرلمان قد أثار جدلا واسعا في تونس في الآونة الأخيرة. ووسط توسع دائرة الاحتجاجات ضده، طلبت الحكومة التونسية تأجيل مناقشته.

والقانون المدعوم من نقابات أمنية، واجه حملة رفض واسعة من منظمات حقوقية كون عددا من فصوله تمثل تهديدا لحرية التعبير كما يتيح في نظر منتقديه لرجال الأمن التنصل من مسؤوليتهم في استخدام القوة.

ولم توضّح الحكومة في طلبها إلى البرلمان ما إذا كانت ستدخل تعديلات جديدة على مشروع القانون قبل عرضه مرة أخرى للمناقشة.

ويستنج الشابي أنه بعد تحقيق مصالحة بين الأمني والمواطن أعقاب ثورة يناير، “تريد بعض النقابات العودة إلى الوراء وتستعيد وضع ما قبل الثورة”. وأردف “ما يعمق المصاعب هو غياب خطة وطنية لمواجهة هذه التحديات والصراعات المفتوحة على أكثر من جهة.. والأوضاع مهددة بالانفجار في كل وقت”.

'