صفقات السلام الخليجية مع إسرائيل مأزق استراتيجي لإيران – مصدر24

صفقات السلام الخليجية مع إسرائيل مأزق استراتيجي لإيران

تتوافق آراء المحللين السياسيين مع حالة التشاؤم التي يبديها النظام الإيراني بشأن اتفاقيات السلام المبرمة حتى الآن بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، كونها تشكل مأزقا استراتيجيا كبيرا لطهران، التي لطالما سوقت لنفسها طيلة عقود أنها حامية الشرق الأوسط من توسيع الكيان العبري على حساب قضايا تمس الأمن القومي لدول المنطقة. ولكن، ومع ذلك، فإن المسألة، التي أضحت حقيقة، ستجعل الإيرانيين يعيدون حساباتهم قبل الإقدام على أي خطوة قد تجعلهم في مرمى نيران الولايات المتحدة، الحليفة الأولى لدول المنطقة.

لندن – يكمن مفتاح فهم مخاوف طهران العميقة بشأن التقارب الإماراتي والبحريني مع إسرائيل  بعد توقيع اتفاقات سلام برعاية أميركية في البيت الأبيض الثلاثاء الماضي، في إمكانية ترسيخ “موطئ قدم” إسرائيلي في الجوار المباشر للحدود الإيرانية.

واعتبر الباحثان الإيرانيان ميسم بهرافيش وحميد رضا عزيزي في مقال لهما في مجلة فورن بوليسي الأميركية أن قلق طهران حول التغيرات الحالية في المنطقة سيتواصل وستحاول أن تجد تعلات وتبريرات من أجل الحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط، غير أنها ستواجه تحديات لم تواجهها من قبل.

وفي الواقع، منذ ثورة 1979 التي ولدت الجمهورية الإسلامية، زود الانقسام العربي الإسرائيلي حول فلسطين المؤسسة الثورية الإيرانية بالذخيرة السياسية في حملتها الأيديولوجية ضد إسرائيل وكذلك ضد الغطرسة العالمية لحليفها الشيطان الأكبر.

والأهم من ذلك بكثير بالنسبة للأمن القومي الإيراني، أن العداء أو الاغتراب بين العرب وإسرائيل كان بمثابة حصن جيوسياسي طبيعي يحمي المصالح الإيرانية الأساسية من الحملات العدائية الإسرائيلية الأميركية في منطقة متنافسة بشكل عام.

وبشكل أكثر تحديدا، اعتمد النظام الإيراني منذ فترة طويلة على العداء العربي الإسرائيلي كحاجز أمني عضوي ليس فقط لمنع إسرائيل العدو اللدود من ترسيخ نفسها في محيط إيران، من الناحية الجغرافية، ولكن أيضا لتعزيز سياسة “العمق الاستراتيجي” الخاصة بها عبر الشرق الأوسط بسلاسة وفعالية نادرة.

مناوشات بلا معنى

عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتفاق “أبراهام”، وهو تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، في الثالث عشر من أغسطس الماضي، اعتبره العالم لحظة تاريخية، بيد أن صناع القرار في إيران، نظروا إلى الاتفاق باعتباره تهديدا خطيرا.

وبشكل فيه إجماع، ندد مسؤولون متنوعون في المؤسسة السياسية بالاتفاق وحذروا من عواقبه، ففي اليوم التالي للاتفاق، نددت وزارة الخارجية الإيرانية بالاتفاق ووصفته بـ”الغباء الاستراتيجي” و”طعنة الإمارات في ظهر الشعب الفلسطيني”.

ميسم بهرافيش: التنديد إشارة إلى تغيير قادم لا مفر منه في سياسات طهران

وعلق بهرافيش، الذي عمل محللا استخباراتيا ومستشارا للسياسة الأمنية في إيران بين عامي 2008 و2010، على ذلك قائلا إن “هذا التنديد إشارة إلى تغيير قادم لا مفر منه في الاستراتيجية الإيرانية”.

وبعد يوم واحد، أصدر الحرس الثوري الإسلامي بيانا ناريا، وصف التطبيع بـ”الحماقة التاريخية” التي ستؤدي إلى “مستقبل خطير” لقيادة الإمارات. وفي نفس ذلك اليوم، قام الرئيس الإيراني حسن روحاني أيضا بالتعبير عن استيائه، واصفا الاتفاقية بأنها “خيانة” وحذر من أنه إذا سمح الإماراتيون “لإسرائيل بوضع موطئ قدم في المنطقة، فستتم معاملتهم بشكل مختلف”.

وردا على ذلك، استدعت الإمارات القائم بأعمال السفير الإيراني في أبوظبي للاحتجاج على تصريحات روحاني “التهديدية” و”المحرضة على إثارة التوتر”، غير أن ذلك لم يثن طهران عن الكف عن الاستمرار في عمليات الاستفزاز، ففي  16 أغسطس، انضم رئيس أركان القوات المسلحة الإيراني محمد باقري إلى “نادي التنديدات”.

وحذر باقري، القائد العسكري الإيراني الأعلى، من أن سياسة إيران تجاه الإمارات “ستتغير بشكل جذري” وأن “القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية ستنظر إلى هذه الدولة بحسابات مختلفة”. وقال إنه “في حال حدث شيء ما في الخليج العربي وتعرض الأمن القومي للجمهورية الإسلامية الإيرانية لخرق، وإن كان طفيفا، فسوف نحمل الإمارات المسؤولية ولن نتسامح مع ذلك”.

وتصدرت سلسلة الإدانات البارزة من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي الخطاب في الأول من سبتمبر الحالي، والذي صور الاتفاقية على أنها محاولة إماراتية “ليس فقط لإخضاع القضية الفلسطينية للنسيان، ولكن أيضا للسماح لإسرائيل بوضع موطئ قدم في المنطقة”.

وقال خامنئي في خطاب، بعد يوم واحد من انطلاق أول رحلة جوية من إسرائيل عبر السعودية وإلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، “لقد خانت الإمارات العالم الإسلامي، وخانت الدول العربية والدول الإقليمية، كما أنها خانت فلسطين”.

وكان على متن تلك الطائرة كبار المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين بمن في ذلك مستشار البيت الأبيض غاريد كوشنر، الذي أشار إليه خامنئي في خطابه بـ”ذلك اليهودي في عائلة ترامب”، وأطلق المرشد الأعلى لإيران وعده “لكن بالطبع هذه الخيانة لن تستمر طويلا”.

خلط الأوراق

يرى حميد رضا عزيزي، وهو زميل ألكسندر فون همبولت في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين، أن التطبيع بين الإمارات وإسرائيل يشكل بالفعل مشكلة استراتيجية بالنسبة لإيران.

وقال عزيزي، الذي كان أستاذا مساعدا للدراسات الإقليمية في جامعة شهيد بهشتي الإيراني، إن “اتفاق السلام ينص من بين أمور أخرى على تعاون أمني منهجي وتبادل المعلومات بين الشريكين ضد خصمهما المشترك، وهذا يهدد بخرق المنطقة العازلة الطبيعية لإيران مع إسرائيل”.

وقد أبدت طهران في السابق عزمها على حماية هذا الحاجز، حيث في سبتمبر 2017، ألقى الحرس الثوري بثقله خلف الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادين لإحباط محاولة حكومة إقليم كردستان الاستقلال، بعد عمل استفتاء محلي لصالح دولة كردية مستقلة.

وفي ذلك الوقت، هدد اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، مرارا بإرسال قوات شبه عسكرية مدعومة من إيران، إلى جانب قوات الحكومة العراقية، إلى مدينة كركوك النفطية إذا لم ينسحب المقاتلون الأكراد منها.

حميد رضا عزيزي: إيران تخشى اختراق المنطقة العازلة الطبيعية مع إسرائيل

ويقول بهرافيش، وهو طالب دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة لوند، إن الدافع الرئيسي لمعارضة طهران الشرسة لاستفتاء الاستقلال كان الخوف من أن إسرائيل التي أيدت المبادرة ستفوز بموطئ قدم في شمال العراق نتيجة لذلك.

ورجح بهرافيش، المحلل السياسي بشركة استشارات المخاطر الجيوسياسية الخليجية التحليلية ومقرها الولايات المتحدة، أن يجعل التحالف العربي الإسرائيلي الجديد إيران أكثر عرضة لحملات الضغط والعمليات الأمنية والاستخباراتية من قبل خصومها.

واتضحت نقطة الضعف الحالية لإيران منذ فبراير 2018، عندما نجح فريق من عملاء الموساد في انتزاع أكثر من نصف طن من الوثائق النووية بالغة السرية من منطقة غامضة في طهران ونقلها إلى تل أبيب عبر بحر قزوين إلى أذربيجان، الحليف الإسرائيلي الرئيسي في الجوار الإيراني الشمالي.

وعلى مدار التاريخ، أولت إيران أهمية استراتيجية أكبر بكثير لجهازيها الغربي والجنوب من جيرانها الشماليين، والتي يُنظر إليها إلى حد كبير في طهران على أنها الداعم لروسيا في المقام الأول. وسيكشف التعاون العربي الإسرائيلي، الذي يسرته الولايات المتحدة في عهد ترامب، نقاط الضعف هذه.

لكن هذه التشققات في المنطقة الأمنية العازلة لإيران جعلت سياسة “الضغط الأقصى” التي انتهجها ترامب بشأن الخنق الاقتصادي ضد طهران أكثر فعالية وألما من حملة العقوبات التي فرضها سلفه. وساعد التعاون العربي المتزايد مع إسرائيل والولايات المتحدة في إعاقة القنوات المالية السرية وصمامات الهروب التي تستخدمها السلطات والمؤسسات الإيرانية تقليديا للتهرب من العقوبات الأميركية.

كما أن التحالف العربي الإسرائيلي الناشئ، والمتمثل في التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، ينذر بالسوء تجاه السعي الإيراني الناجح لفرض العمق الاستراتيجي عبر الشرق الأوسط. ووفقا لمصادر إعلامية في تركيا، وهي منافس إماراتي رئيسي ومعارض لتقاربها مع إسرائيل، يتيح الإماراتيون لإسرائيل فرصة فريدة لإقامة “قواعد تجسس” في جزيرة سقطرى الواقعة جنوب اليمن التي تسيطر عليها الإمارات.

وربما يؤدي تسهيل الإمارات للتدخل الأمني الإسرائيلي في خليج عدن إلى تأجيج التوترات طويلة الأمد في المنطقة حتى بعد انتهاء حرب اليمن، مما قد يؤدي إلى تأليب المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران ضد القوات المدعومة من السعودية. ويؤكد عزيزي أنه ظهر بالفعل نوع مماثل من العداء الخفي بين إيران وإسرائيل في أجزاء من أفريقيا.

ويفضل الشركاء العرب إسرائيل على إيران، وبالرجوع إلى التاريخ الحديث، لا يوجد سبب للاعتقاد بأنه لن يكرر نفسه في القرن الأفريقي وبحر العرب، والذي يحظى بأهمية استراتيجية أكبر بالنسبة لطهران.

ولذلك، ليس من المستغرب أن يحظى الانفتاح الشامل مع الدول العربية الإقليمية، وليس أقلها الكتلة التي تقودها السعودية، بدعم من الأحزاب المختلفة في طهران على عكس المفاوضات مع واشنطن، التي يصعب على القادة الإيرانيين تبريرها وتسويقها في ظل الخضوع لضغوط العقوبات الاقتصادية وبعد اغتيال الولايات المتحدة لسليماني.

ومن غير المستبعد أن يؤدي التقارب الدبلوماسي بين الإمارات وإسرائيل إلى تفاقم تصور طهران الحالي لـ”الحصار الاستراتيجي” وقد يدفعها إلى التصرف بشكل أكثر عدوانية مع قدر أقل من ضبط النفس في جوارها. وربما كان هذا ما يعنيه رئيس الأركان الإيراني باقري، من خلال قوله كلمة “حسابات مختلفة” ما لم يتم وضع استراتيجية لحفظ ماء الوجه لكسر حلقة المواجهة المستمرة.

'