عدوى التغيير المكرر للمدربين تضرب كبار أوروبا – مصدر24

عدوى التغيير المكرر للمدربين تضرب كبار أوروبا

برلين – فتّحت إقالة الكرواتي نيكو كوفاتش من تدريب بايرن ميونيخ الألماني الأسبوع الماضي والأسماء المطروحة لخلافته عيون الكثير من المحللين الرياضيين والمهتمين بأخبار كبار الدوريات الأوروبية والفرق الناشطة بأعرق المسابقات في أوروبا على الكثير من الأسئلة الحارقة والأطروحات التي يتأجل طرحها مرات ومرات.

وكان من بين هذه الأسئلة وأكثرها إثارة للاهتمام: أليس من الأجدر البحث عن مدربين جدد في القارة الأوروبية عوض الوجوه التي يتم تدويرها بين الأندية والفرق الكبرى مع كل أزمة يقع فيها هذا الفريق أو ذاك؟ ما هي الأسباب الحقيقية التي أوقعت بعض الأندية الكبيرة في مطبات أزمة النتائج في السنوات الأخيرة؟ وكيف يتمّ تشريحها لفهم ظاهرة تغيير المدربين التي باتت شبيهة ببعض الدوريات في البلدان “الصاعدة كرويا”؟ هل تعاني هذه الفرق من أزمات مادية بدّدت حاجتها إلى تغيير داخلي هي أشد ما تكون بحاجة إليه مع مرور كل فترة انتقالات؟

هذه الأسئلة وغيرها تناولها المحللون بالدراسة والتحليل لفهم ظاهرة تغيير المدربين التي باتت سؤالا مطروحا في أكثر من نادٍ أوروبي كبير يعرف بطابع الاستقرار الذي ميّز إدارته الفنية طيلة سنوات مضت على غرار بايرن ميونيخ الألماني وريال مدريد الإسباني ويوفنتوس الإيطالي ومانشستر يونايتد وتوتنهام الإنكليزيين وغيرها من الفرق العملاقة المحسوبة على كبريات الأندية العالمية.

ثورة على المدربين

يذهب بعض المحللين إلى التساؤل عن تلك الحاجة الملحة إلى فهم هذا “البراديغم” الذي يحرّك نشاط بعض الأندية في التعاقد مع مدرب جديد بسبب سوء النتائج أو تعثر الفريق في مسابقة أوروبية ما، عوض قراءة الأسباب الأساسية والوقوف على أبرز المعوقات الحقيقية التي أوقعت الفريق في هذا المطب.

فيما يعتبر آخرون أن المسألة تخضع لتقييم داخلي ولقاءات دورية بين المسؤولين في إدارات هذه الأندية لجرد حصيلة هذا المدرب أو ذاك محليا وقاريا ومن ثمة اتخاذ القرار المناسب بشأنه بالإقالة أو البقاء. بينما يعتبر شق ثالث أن هذه الظاهرة تستمد قوتها من النتائج الحاصلة في بعض الأندية والتي تحدد مستقبل هذا المدرب أو ذاك إن كان بالسلب أو الإيجاب، وهي أمور طبيعية لا محالة، فبغياب النتائج من الطبيعي أن تتم إقالة هذا المدير الفني وتغييره بآخر يكون أقدر على رفع التحدي.

الأسماء التي دخلت دائرة الترشيحات عبّر البعض منها عن رغبته في عدم ترك ناديه أو أعفى نفسه من خوض هذه المغامرة في حين غمز البعض الآخر بالإعلان عن جاهزيته فيما اكتفى طرف ثالث بدور المراقب بانتظار قرار الحسم

لكن في مقابل هذه التحليلات تطرح ظاهرة تغيير المدربين أسئلة محيّرة لبعض المهتمين بدراسة الدواعي الموضوعية لاتخاذ قرار الإقالة، لأن المدرب هو جزء من منظومة كبيرة تشمل اللاعبين والإطار الطبي والإداري والأكاديميات الصغرى التي تجهز اللاعبين وغيرها من المكونات التي تيسّر اشتغال هذه المنظومة ككل، لكنه يبقى المسؤول الوحيد في نهاية المطاف وهو من يتحمل المسؤولية في حالة الفشل.

وبالتوازي مع هذا الطرح، يرى بعض المحللين أن النجاح والفشل أمران متلازمان ويتحتم التعامل معهما بنفس الكيفية، ويتساءل هؤلاء لماذا تتم المباركة والإشادة بهذا المدير الفني أو ذاك في حال التتويج ورفع الألقاب وعندما يصبح الفريق في أزمة تتجه أصابع الاتهام مباشرة نحوه؟ ويستدل أصحاب هذا الرأي على ذلك بمثال ريال مدريد الإسباني الواقع تحت نيران أزمة النتائج، وهو من كان قبل سنوات قليلة ماضية يتربع على عرش القارة الأوروبية بطلا بلا منازع بفضل المدير الفني الفرنسي زين الدين زيدان الذي بات من بين الأسماء اللامعة في عالم التدريب، لكنه يعيش فترة صعبة هذا الموسم مع الفريق الإسباني الذي فقد هويته بعد رحيله عنه في 2018. هل الأزمة في المدرب أم في بعض الوجوه التي كانت من الركائز الأساسية ولم يقدر الريال على تعويضها أمثال البرتغالي كريستيانو رونالدو؟

ظاهرة اعتيادية

بالمثل يعيش بايرن ميونيخ الألماني نفس الظرفية تقريبا رغم أن العملاق البافاري سجل في سنوات قليلة مضت فترة انتعاشة حقيقية مع المدرب المخضرم يوب هاينيكس الذي قرر اعتزال التدريب نهائيا في 2013 وعندما استنجد به بايرن بعد فترة مخيبة مع كارلو أنشيلوتي عاد من جديد في 2017 ليضع الفريق على السكة الصحيحة ويغادر.

يراهن البعض على أن المسألة أكثر من كونها أزمة نتائج، هي عدوى باتت مفاعيلها تشق صفوف الأندية الكبرى مع كل خيبة قارية يقع فيها هذا الفريق أو ذاك وسرعان ما تتم التضحية بالمدرب كأول من يدفع الفاتورة بالاستغناء عن خدماته بجرّة قلم.

وباتت عدوى انتقالات المدربين بين كبار الدوريات الأوروبية بمثابة ظاهرة اعتيادية في السنوات الأخيرة. وتتخلل هذه الانتقالات دعوات صريحة تنفخ في السيرة الذاتية لهذا المدرب أو ذاك لإبرازه بين الأكثر ترجيحا لتولي منصب على رأس هذه الإدارة الفنية أو تلك. ويبرز بين هؤلاء المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو أو من يطلق عليه لقب “السبيشل وان” والمرشح بين قائمة طويلة لخلافة كوفاتش في بايرن. وتدرج مورينيو بين العديد من الأندية وخبر جلها تقريبا في السنوات الأخيرة، ومرّ بين معظم الدوريات الأوروبية ليستقر به الحال خارج أسوار مانشستر يونايتد بعد سوء النتائج.

مدرب آخر يبرز كمثال للمدير الفني الرحالة هو الإيطالي كارلو أنشيلوتي الذي تولى قيادة بايرن في موسم 2016-2017 ولم تعمر رحلته مع الفريق طويلا بسبب سوء النتائج.

وبالمثل يضرب مسار مشابه مانشستر يونايتد الإنكليزي الباحث عن هويته هو الآخر في الموسمين الأخيرين وتغيب عنه روح الفريق القتالية التي عرفت عن “الشياطين الحمر” في مختلف المسابقات المحلية والقارية بعد مسلسل النتائج السيئة مع جوزيه مورينيو ورحيله بنهاية الموسم الماضي لتكتمل بقية حلقاته المخيبة مع أولي غونار سولسكاير الذي استلم الفريق في نهاية الموسم الماضي ولا يزال يبحث عن طريق التعافي من خيبة النتائج فيما يطمح جاره الآخر توتنهام هوتسبير إلى استعادة تعافيه هو الآخر رغم الأخبار والتقارير التي تكاد لا تتوقف عن بحث الفريق المستمر عن خليفة للأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو.

ومع رحيل كوفاتش عن تدريب بايرن بدأ النادي البافاري مجددا رحلة البحث عن المدير الفني الجديد لتولي المسؤولية خلال الفترة المقبلة.

وأقال بايرن مدربه الكرواتي الأحد الماضي بعد أكثر من عام تقريبا على توليه المسؤولية ليعيد إلى الأذهان ذكريات الإطاحة بالإيطالي كارلو أنشيلوتي قبل عامين بطريقة مشابهة.

وتجلى المستوى المتراجع لبايرن في الآونة الأخيرة من خلال المباراة التي خسرها الفريق أمام آنتراخت فرانكفورت 1-5 السبت الماضي بالدوري الألماني (بوندسليغا) وهي الهزيمة التي كلفت كوفاتش منصبه مع الفريق رغم قيادته بايرن إلى ثنائية الدوري والكأس في الموسم الماضي.

ويتشابه رحيل كوفاتش في هذا التوقيت مع رحيل أنشيلوتي عن تدريب الفريق في خريف عام 2017 حيث أقيل في أواخر سبتمبر 2017 بعد الهزيمة 0-3 أمام باريس سان جرمان الفرنسي في دوري الأبطال الأوروبي.

سيناريو مشابه

عدوى انتقالات المدربين بين كبار الدوريات الأوروبية باتت ظاهرة اعتيادية
عدوى انتقالات المدربين بين كبار الدوريات الأوروبية باتت ظاهرة اعتيادية

على غرار كوفاتش، لم يستمر أنشيلوتي كثيرا في تدريب بايرن حيث تعاقد معه في يوليو 2016 وفاز معه بلقب البوندسليغا في أول موسم له مع الفريق، لكن هذا لم يكن كافيا للإبقاء عليه.

كما تشابهت بيانات النادي بعد فسخ التعاقد مع كوفاتش مع نظيرتها إثر الإطاحة بأنشيلوتي في 2017 .وقال حسن صالح حميديتش المدير الرياضي لبايرن في تصريحات على موقع النادي بالإنترنت، “ننتظر الآن تطورا إيجابيا من لاعبينا” وهو نفس التصريح الذي أدلى به كارل هاينز رومينيغه الرئيس التنفيذي للنادي عقب إقالة أنشيلوتي في 2017.

وكان أنشيلوتي بحاجة إلى التعامل مع سخط اللاعبين البارزين الجالسين على مقاعد البدلاء وهي المشكلة التي واجهت كوفاتش أيضا. وكانت وسائل الإعلام الألمانية أشارت إلى أن كوفاتش لم يحظ بدعم وتأييد كامل من لاعبي الفريق.

ولم يسبق لإدارة بايرن أن شعرت بالرهبة في التعامل مع مثل هذه الحالات حيث ضمت قائمة المدربين الذين أطاح بهم النادي البافاري قبل انتهاء عقودهم أسماء كبيرة منها أوتو ريهاغل وأوتمار هيتزفيلد وفيليز ماجات ويورغن كلينسمان ويوب هاينكس.

وكان الإسباني بيب غوارديولا، الذي يتولى تدريب مانشستر سيتي الإنكليزي حاليا، من بين عدد قليل للغاية من المدربين الذين رفضوا تجديد عقودهم مع الفريق ورحلوا عن بايرن برغبة منهم وليس نزولا عند رغبة النادي.

وربما تكون إدارة نادي بايرن تعلمت الدرس مما حدث في 2009 عندما خسر الفريق أمام فولفسبورغ 1-5 حيث أبقى النادي على المدرب كلينسمان لخمس مباريات أخرى قبل أن يضطر في النهاية إلى فسخ عقده.

وأسند النادي مهمة الإشراف المؤقت على الفريق إلى المدرب المساعد هانزي فليك حيث قاد الفريق في مباراتيه أمام أولمبياكوس اليوناني الأربعاء الماضي بدوري أبطال أوروبا ثم أمام بوروسيا دورتموند السبت بالدوري الألماني.

وجوه مكررة

يتساءل بعض الدارسين لانتقالات المدربين بين الأندية الكبرى عن الجدوى من ظاهرة التغيير التي باتت تطبع الكبار مع نفس الوجوه المكررة التي يتم تداولها بين هذا النادي أو ذاك في السنوات الأخيرة.

وباتت نفس الأسماء تقريبا تطرح مع كل إطاحة بمدرب في الفرق الكبرى، حيث تميل الكفة لصالح هذا أو ذاك من الجالسين على مقاعد الانتظار مثلهم مثل اللاعبين الذين ينتظرون جولة الميركاتو وإن كان بصيغة باتت اعتيادية في الكثير من الأحيان.

وإضافة إلى المثال الذي يبرز حديثا ويتلخص في وضعية بايرن ميونيخ الألماني رغم أن أمثلة كثيرة تفسر هذه الظاهرة التي تكررت في الموسمين الأخيرين، كان آخر فصولها الرحيل غير المتوقع لمدرب تشيلسي ماوريسو ساري إلى يوفنتوس الإيطالي بعد الإقالة المفاجئة لماسيميليانو أليغري وغيرها من مفاجآت انتقالات المدربين التي باتت متوقعة في كل لحظة في الدوريات الأوروبية العملاقة، يتزايد الحديث مؤخرا عن مصير غامض لأكثر من مدير فني أبرزهم زين الدين زيدان وإرنستو فالفيردي في برشلونة والريال وأولي غونار سولسكاير وماوريسيو بوكيتينيو في مانشستر يونايتد وتوتنهام الإنكليزيين.

وبالمقابل يبرز من بين المرشحين لخلافة كوفاتش في إدارة بايرن بعض الوجوه المكررة التي خبرتها ملاعب كرة القدم العالمية لفترات طويلة على غرار أرسين فينغر وماسيميليانو أليغري والبرتغالي جوزيه مورينيو. كما يبرز بين المرشحين كل من لاعبي بايرن السابقين الإسباني تشابي ألونسو

والهولندي مارك فان بوميل وميروسلاف كلوزه الذي يتولى التدريب حاليا بقطاع الناشئين في النادي، إضافة إلى بوتكيتينو مدرب توتنهام الإنكليزي.

لكن بايرن أكد أنه سيمنح نفسه بعض الوقت للبحث عن بديل جيّد لكوفاتش وسيستغل فترة توقف مسابقة البوندسليغا لدراسة المسألة بتروّ أملا في الخروج باختيار صائب.

وقال رئيس النادي الألماني أولي هونيس، إن مسؤولي النادي “سيفكرون بهدوء في الطريقة الملائمة لمعالجة هذا الأمر”. وأضاف “أعتقد أنه من الآن حتى المباراة المقبلة خارج ملعبنا ضد دوسلدورف (في 23 نوفمبر بعد فترة التوقف الدولية) خلال ثلاثة أسابيع، سنعرف كيفية حل مسألة المدرب”.

وفي مقابل هذه الأسماء التي دخلت دائرة الترشيحات، فإن البعض منها عبّر عن رغبته في عدم ترك ناديه أو أعفى نفسه من خوض مثل هذه المغامرة، في حين غمز البعض الآخر بالإعلان عن جاهزيته لقيادة العملاق البافاري، فيما اكتفى طرف ثالث بدور المراقب بانتظار قرار الحسم الذي ستصدره إدارة بايرن ميونيخ عن هوية المدرب الجديد.

وأكد الألماني توماس توخيل مدرب باريس سان جرمان أنه “لا يمكن أن يفكر ولو لدقيقة في أي ناد آخر”. وبدوره حسم أليغري موقفه من قيادة بايرن ميونيخ خلال الموسم الحالي عبر تصريح لشبكة “سكاي سبورت ألمانيا” أعلن فيه رفضه للعرض الذي حصل عليه من جانب إدارة بايرن ميونيخ لخلافة كوفاتش.

فيما قدم الفرنسي أرسين فينغر إجابة مبهمة حول إمكانية توليه تدريب بايرن ميونيخ خلفا للكرواتي نيكو كوفاتش، بينما أكد مقرب من أحد المرشحين لقيادة بطل الدوري الألماني لكرة القدم في المواسم السبعة الأخيرة، رالف رانكيك، أنه غير مهتم.

'