عصر التكنولوجيا يفرض أولوياته على جيل الألفية – مصدر24

عصر التكنولوجيا يفرض أولوياته على جيل الألفية

يعتبر جيل الألفية الأكثر تنوعا مقارنة بالأجيال السابقة، حيث أثرت التطورات العلمية والتكنولوجية الهائلة على توجهاته وآرائه وأولوياته في الحياة، لتشكل جيلا يبحث عن التغيير ولا يحب القيود، كما أن ارتباطه بإرثه الثقافي والفكري الكلاسيكي يبدو محدودا.

تونس – يتبنى جيل الشباب إمكانيات التكنولوجيات الجديدة بشكل كامل ويستخدم التقنيات الرقمية بشكل يومي، ما جعل طريقة تفكيره ونظرته للحياة وأولوياته تختلف عن أولويات أي جيل سابق.

وتركت التطورات العلمية والتكنولوجية تأثيرا كبيرا على التوقيت المتوقع لتحقيق الأهداف الكبرى في الحياة. فلم يعد التخطيط للزواج أو الإنجاب أولوية للشباب في بداية العشرينات، وأصبح الهدف الأساسي لغالبية الشابات مواصلة تعليمهن والارتقاء في السلم الوظيفي.

وتقول منيرة (30 عاما) موظفة في بنك تونسي، إنها أدركت بعد تجربتين فاشلتين في الارتباط، أن الزواج والارتباط ليسا من أولويات حياتها الآن.

وأضافت أنها ليست في عجلة للزواج وإنجاب الأطفال لأن الزواج يجب أن يضيف لحياتها معاني إيجابية، بجانب التفاهم والإخلاص، وهو أمر أصبح صعبا اليوم في الظروف الحالية.

وأشارت إلى أن أهدافها الحالية تتلخص في تطورها الوظيفي، وتفكر في استكمال الدراسات العليا في الجامعة، خصوصا أن معدلها المرتفع يسمح لها بذلك.

ووفقا للدراسات الحديثة فإن جيل الألفية أصبح اعتبارا من 2015 يعتبر أكبر شريحة في سوق العمل وخلال العشر سنوات القادمة سيشكل ما يقارب 75 في المئة من القوى العاملة عالميا، وهذا الأمر لا شك أنه سوف يعيد تشكيل الاقتصاد العالمي لعقود زمنية طويلة.

وجيل الألفية حاليا هو الأكثر عددا وتنوعا وتم تشكيله عن طريق التكنولوجيا، وهو جيل مبدع في أعماله، وأكثر ميلا لدراسة العلوم الاجتماعية والمجالات التطبيقية، ويتميز بسهولة انخراطه في المشاركة الحضارية وتبادل الثقافات.

الاستقرار أولا

انشغال الشباب بأنفسهم هو أحد انعكاسات تغير الاتجاهات الفكرية للمجتمع، ولاسيما صعود النزعة الفردية

وأظهرت دراسة حديثة إجماع الشباب العربي على ثلاث أولويات رئيسية تشكّل أساس التنمية، تتضمن الاستقرار والتعليم ثم الصحة في المرحلة الراهنة، داعين إلى أخذ تلك الأولويات في الاعتبار خلال وضع استراتيجيات وسياسات وخطط عمل الجهات الحكومية العربية والمؤسسات المعنية بالعمل الشبابي.

وقالت الدراسة إن تلك الخطوة ستنعكس إيجابا على الاستفادة من القدرات الهائلة التي يمتلكها الشباب العربي، الذي يمثل ضمن الفئة العمرية من 15 إلى 35 سنة، أكثر من ثلث عدد سكان البلاد العربية بواقع 34 في المئة من إجمالي التركيبة السكانية.

وشكّلت تلك الأولويات الخيارات الأولى التي اتفق عليها أكثر من 60 في المئة من الشباب الذين شملهم الاستطلاع في 21 دولة عربية، حيث تضمنت القائمة الكاملة لأولويات الشباب العربي ضمن 11 قطاعا رئيسيا خلال “مؤتمر أولويات الشباب العربي” الذي نظمه “مركز الشباب العربي”، عشية اليوم العالمي للشباب في أغسطس الماضي.

وقال أحمد أبوالغيط أمين عام جامعة الدول العربية، في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر “المبادرة تؤسس لاتجاه غاية في الأهمية هو أن نسمع لصوت الشباب ولأولوياتهم كما يرونها، وكما يعبرون عنها، وليس كما نصوغها لهم أو نفرضها عليهم”.

وأضاف “استطلاع أولويات الشباب العربي يتيح لنا فرصة نادرة للاقتراب بمنهج علمي من تصورات شبابنا عن عالمهم، كما هو في الواقع، وأيضا كما يريدون رؤيته من وجهة نظرهم”.

وجاءت أولوية الأمان والاستقرار في المركز الأول، بعد أن سماها ما يقارب ثلاثة أرباع المشاركين في رأس قائمة الأولويات بنسبة 73 في المئة من اختيارات إجمالي عدد الشباب المشاركين في الاستطلاع.

وركّز المشاركون على عوامل رئيسية ضمن هذه الأولوية، أهمها العيش في محيط اجتماعي آمن وبيئة خالية من الصراعات والحروب والعنف بكافة أشكاله.

وكان المركز الثاني ضمن أولويات الشباب العربي من نصيب التعليم الذي اختاره 70 في المئة من مجموع من شملتهم الدراسة، حيث أعربوا عن تطلعهم إلى تعزيز جودة المنظومة التعليمية ومخرجاتها وتحسين المناهج، وضمان مجانية التعليم، وربط المناهج الدراسية مع الاحتياجات الفعلية والمستقبلية المرتقبة لسوق العمل وأنماطه المتغيرة.

وجاء في المرتبة الثالثة ضمن أولويات الشباب العربي الرعاية الصحية، التي اختارها أكثر من 62 في المئة من الشباب الذين شاركوا في الدراسة.

وركّز هؤلاء على تعزيز جودة الرعاية الصحية، ورفع مستوى الثقة بها، وتوفير خدمات صحية مجانية، وتوفير الأدوية وبأسعار مناسبة.

وخلص التقرير إلى أن الدخل والعمل وردا في المركزين الرابع والخامس على التوالي، وحلت في المركز السادس أولوية بناء الشخصية وتطوير الذات، وجاء في المركزين السابع والثامن كلّ من أولويات البيئة والبنى التحتية، والتمكين الاجتماعي في المركز التاسع، وجاء في المركز العاشر التطوير التكنولوجي، وحل في المركز الحادي عشر الترفيه.

تفاعل مختلف

Thumbnail

ويربط باحثون بين طريقة الشباب في العيش حاليا وآرائهم وخياراتهم وبين ازدهار الإنترنت والشبكات الاجتماعية، ويعتبرون أن هذه المواقع تلعب دورا رئيسيا في كيفية تفاعل أبناء هذا الجيل مع الآخرين وتشكيل وجهات نظرهم ورؤيتهم للحياة.

وتؤكد الدراسات أن غالبية شباب اليوم مرتبطين بمؤثّري مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من أصدقائهم، ويعتقدون أن مؤثّرهم المفضل قد يفهمهم أفضل من المقربين لهم.

وأشارت إلى أن 90 في المئة من جيل الألفية، ما بين 18 – 29 سنة، موجودون على مواقع التواصل الاجتماعي التي تلعب دورا رئيسا في كيفية تفاعل 90 في المئة من هذا الجيل مع الآخرين، بالإضافة إلى أن 40 في المئة منهم مرتبطون بـالمؤثّرين “المشهورين” أكثر من أصدقائهم، وهذا الجيل هو الذي يبحث عن التغيير، جيل لا يحب القيود، وارتباطه بإرثه الثقافي والفكري الكلاسيكي محدود.

ويرى باحثون أن وسائل التواصل الاجتماعي بما تتيحه من فرص للترويج للذات، والانشغال بالميزات الفردية، مهدت لظهور جيل من الشباب أكثر أنانية ونرجسية من الأجيال السابقة، ويرى بعضهم أن هذا الجيل “محب لذاته” ويضع مصلحته الفردية في المقدمة.

وأشار جون سولر الأخصائي النفسي من جامعة نيويورك، وصاحب كتاب “سيكولوجيا العصر الرقمي”، إلى أن انتشار النرجسية والسلوك المعادي للمجتمع في العموم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بصورة غير مسبوقة يعتمد في أساسه على قدرة الإنترنت على حجب هوية الشخص، وما يترتب على ذلك من تكسّر كل العوازل الاجتماعية بينه وبين الآخرين، ليصبح كل شيء ممكنا.

كذلك فإن هناك ملاحظات مثيرة للانتباه حول علاقة جيل الألفية بالعمل، فهم أكثر اهتماما بالتوازن بين الحياة العملية والحياة الشخصية، على عكس الأجيال السابقة التي كانت أكثر اهتماما بالعمل، كما أنهم أكثر اهتماما بالعطلات الأسبوعية والسنوية، ويبذلون جهدا أكبر في التفكير والتخطيط للعطلات، ويميلون إلى اختيار وظائف أسهل، تعطيهم الكثير من الوقت لفعل أشياء أخرى في الحياة غير العمل، وبحسب سولر “يمكن أن نتصوّر ذلك كتطور طبيعي لفكرة الأنانية”.

وثمة نظرية أخرى تفسر زيادة حب الذات بين الشباب، يطلق عليها “حركة الاعتداد بالنفس”، وتشير هذه النظرية إلى أن ضعف الثقة بالنفس هو مصدر الكثير من المشكلات التي يواجهها المجتمع، من الإدمان إلى العنف. لكن يبدو أن المختصين والباحثين أنفسهم لم يتفقوا على رأي بشأن السمة البارزة في جيل الألفية، هل هي أنانية أم ثقة بالنفس.

انشغال بالذات

مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دورا رئيسيا في كيفية تفاعل أبناء هذا الجيل مع الآخرين، وتشكيل وجهات نظرهم ورؤيتهم للحياة

وأمضت جين توينج أستاذة علم النفس بجامعة سان دييغو بولاية كاليفورنيا، 15 عاما في دراسة التغير في شخصيات الشباب، وتعد من أشد المؤيدين للرأي القائل “إن الجيل الحالي من الشباب أصبح أكثر أنانية وانشغالا بالذات من الأجيال السابقة”.

وترى توينج أن انشغال الشباب بأنفسهم هو أحد انعكاسات تغير الاتجاهات الفكرية للمجتمع، ولاسيما صعود النزعة الفردية في العقود القليلة الأخيرة، إذ يقال على سبيل المثال “إن الآباء والمجتمع ككل لا يهتمون بواجبات الشباب حيال المجتمع الذي يعيشون فيه بقدر ما يهتمون بإنجازاتهم الفردية”.

واستندت أبحاث توينج إلى “اختبار الشخصية النرجسية”، وهو عبارة عن استبيان تطلب فيه من المشاركين الاختيار بين 40 زوجا من العبارات التي تعبر عنهم، إحداهما تغلب عليها نبرة الأنانية مثل “سأحقق نجاحا باهرا”، والأخرى معتادة مثل “لا أهتم كثيرا بالنجاح”.

وتوصلت نتائج دراسات توينج إلى أن طلاب الجامعات الأميركية يحرزون درجات أعلى في تقييم النرجسية مع تعاقب الأجيال، فقد اكتشفت على سبيل المثال، أن ثلثي الطلاب في عام 2009 أحرزوا نقاطا في مقياس النرجسية أعلى من متوسط النقاط التي سجلها نظراؤهم في عام 1982.

وتقول توينج “حتى هذه اللحظة، جميع الأدلة تؤيد الرأي القائل إن جيل الشباب اليوم من مواليد 1981 وما بعدها، يتمحور حول ذاته” بالمقارنة على الأقل بالأجيال التي تسبقه.

ولكن هذا الرأي عارضه البعض، مثل جيفري أرنت أستاذ علم النفس بجامعة كلارك بمدينة ويرشستر بولاية ماساتشوستس، الذي يرى أن طلاب الجامعات الأميركية لا يمثلون الشباب ككل، ويشكك في صحة اختبار الشخصية النرجسية كمعيار يعول عليه لقياس النرجسية.

 

جيل اليوم حمل وعودا مبشرة للنهوض بالعالم
جيل اليوم حمل وعودا مبشرة للنهوض بالعالم

 

وقال أرنت إن آراءه تقف على النقيض من آراء توينج، مشيرا إلى أن الشباب الآن أكثر إقبالا على التطوع وأكثر تقبلا للتنوع العرقي والثقافي، ويقول إن البالغين اليوم ليسوا أقل أنانية فحسب، بل أيضا “جيل غاية في الكرم، ويحمل وعودا مبشرة للنهوض بالعالم”.

واحتدم هذا الجدل بين الباحثين في الآونة الأخيرة على خلفية زيادة الإقبال على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والهوس بالتقاط الصور الذاتية والحرص الدائم على مشاركة الأفكار والمشاعر وكل ما يفعله الشباب في حياتهم مع الغير لحظة بلحظة، ما دعا الباحثين للاستنتاج أن التطور التكنولوجي والتغير الثقافي قد أسهما في صعود النرجسية والغرور.

وربطت توينج بالطبع بين وسائل التواصل الاجتماعي والنرجسية، وفي إحدى مقالاتها المنشورة في جريدة “نيويورك تايمز”، أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي “وقود النرجسية”، ولكنها أقرت بعدم وجود أدلة كافية تثبت ذلك.

صحيح أن البيانات التراكمية تثبت أن النرجسيين أميل إلى نشر صور ذاتية من غيرهم، ولكن هذا لا يعني أن نشر الصور الذاتية يدل على النرجسية. وفي الواقع، تشير بعض الأدلة إلى أنه كلما زادت الصفات المحمودة لدى المرء، كحسن الظن بالآخرين، والود وسماحة الخلق، زاد نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي.

وترفض حياة محمد (28 عاما) الربط بين النرجسية والتفاعل على الشبكات الاجتماعية، وتقول إن اختصاصها في مجال الغرافيك يحفزها لمتابعة كل جديد وبالتالي التفاعل مع الناس.

وتؤكد محمد أن النشاط الاجتماعي تحول في العصر الحالي إلى مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا بسبب ظروف الأزمة الصحية، فالخيار الآخر هو الانزواء والوحدة.

'