عن لبنان وباسيل.. “ربما علينا أن نعلمهم كيف تدار بلاد دون..” – مصدر24

عن لبنان وباسيل.. “ربما علينا أن نعلمهم كيف تدار بلاد دون..”

من لا يتذكر القول المأثور الذي نطق به جبران باسيل وزير الخارجية اللبناني الأسبق ومتعدد الصفات، لفضائية سي.أن.أن ذات مقابلة متحدثا عن لندن وواشنطن، حين قال متبجحا “ربما علينا أن نعلمهم كيف تدار بلاد دون موازنة”؟

نعم، لقد أدار ائتلاف قوى المناهبة لبنان دون موازنة لأكثر من 12 سنة، ودون قطع حساب لأكثر من 15 سنة! كما حكم هذا الائتلاف المافيوي البلاد دون رئيس لسنوات وبلا حكومة أو انتخابات نيابية لسنوات وسنوات أيضا.

وها هو جبران باسيل نفسه يلاقي حسن نصرالله زعيم حزب الله في عرقلة بل منع تشكيل حكومة جديدة للبنان باختلاق الأعذار واللعب على منطوق الدستور وتسويق الاتهامات التي شاركه فيها، بل زايد عليه فيها رئيس البلاد في فيديو مسرب له يدّعي أن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري يكذب حين يصرح أنه قدّم له تشكيلة حكومية لدرسها، في حين ادّعى باسيل (صهره ورئيس تياره السياسي ورئيس كتلته النيابية) أن الحريري كان في كل مرة (من الأربعة عشر لقاء أجراها مع رئيس الجمهورية) يتقدم بصيغة مختلفة للتشكيلة الحكومية.

وقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتغريدات سابقة لرئيس الجمهورية صرح فيها أنه استلم من الحريري تشكيلة حكومية من ثمانية عشر وزيرا، مرفقة بالفيديو الأخير الذي يتهم فيه عون الحريري بالكذب.

واضح أن الجميع يكذب! فهم يجيدون إدارة البلاد بالكذب ومن خارج المؤسسات ومن خارج الدستور والقوانين، وبالتالي متحللين من أي شكل من أشكال المراقبة والمحاسبة. إنهم بالفعل قوى تسلط ولا يمثلون في أي حال مؤسسات سلطة أو سلط مسؤولة.

يرهنون البلاد كورقة في يد الولي الفقيه لمبادلتها مع الإدارة الأميركية الجديدة في وقت يرزح فيه المواطنون تحت تهديد الفقر والجوع والوباء، وتبقى أولوياتهم تأبيد سيطرتهم ولو على أنقاض البلد.

إن عدم تشكيل حكومة، أي حكومة، يؤمن أيضا البيئة السياسية المناسبة لحزب الله للملمة وضعه ولتجاوز مأزقه الذي تفاقم بعد انتفاضة 17 أكتوبر 2019. وأكده الانحسار الكبير في شعبيته وتقلّصِ قواعده الاجتماعية، ما دفع حسن نصرالله في خطابه الأخير إلى مهاجمة وسائل الإعلام والإعلاميين ومنصات التواصل الاجتماعي والناشطين فيها وتهديدهم بعد أن أسهموا بفضح جرائمه وسلوكيات كوادره وأتباعه ونشاطاته غير المشروعة، خصوصا في مجال الاشتغال بالممنوعات وتهريب كميات ضخمة من المواد المخدرة إلى إيطاليا ومصر وسواهما. وهو يستغل مرور الوقت والأزمة المعيشية في الترويج لمؤسساته المالية والاقتصادية الموازية للمؤسسات التي تخضع للقانون العام، هذه المؤسسات التي تقدم خدماتها المعفية من الضرائب وبعيدا عن مراقبة أجهزة الدولة وبالتالي تسهم في الترويج لحزب الله وفي استعادته لجزء من شعبيته.

لقد تبيّن خلال الأسبوع المنقضي أن سعد الحريري لن يتمكن من تشكيل حكومته الموعودة إلا بالرضوخ لباقي قوى التحالف المسيطر، عمليا وتحديدا حزب الله وحركة أمل والتيار العوني بقيادة جبران باسيل. وهذا يعني أن لا حكومة في المدى المنظور كون حزب الله يرتاح لاستمرار الحكومة المستقيلة في تصريف الأعمال لأطول فترة زمنية ممكنة، إذ يحتاج لمزيد من الوقت في محاولاته استعادة زمام الأمور على مستوى القاعدة الشيعية من جهة وعلى مستوى التحقيقات في تفجير المرفأ وسواها من القضايا التي تمسه مباشرة أو غير مباشرة، وما يرتب عليه ذلك من مواجهة الإعلام ومحاولة إسكاته ومن ممارسة الضغوط على القضاء واحتواء ما لا يزال خارجا عن إرادته.

ولعل الأزمة الحكومية المتمادية تصرف الأنظار عن الانهيار الكبير والمزمن على مختلف الصعد وبالأخص المعيشية والصحية في ظل تصاعد وتيرة تفشي وباء كوفيد – 19 وتوقع انهيار القطاع الصحي أمام هذه الجائحة، التي فُتحت لها أبواب البلاد على مصراعيها من قبل حكومة تصريف الأعمال في فترة أعياد الميلاد ورأس السنة ما رفع معدل الإصابات اليومية من أقل من ألفين يوميا إلى ما يقارب الستة آلاف حالة يوميا.

هذا الاستهتار بحياة الناس من قبل القوى المسيطرة لم يتوقف عند هذا الحد، بل وصل إلى مستوى منع تركيب مستشفيين ميدانيين تبرعت بهما إحدى الحكومات العربية، لأسباب مناطقية وحزبية في إطار صراع النفوذ بين طرفي الثنائي الشيعي أمل وحزب الله في وقت لا يجد المرضى سريرا في مستشفى.

أما غاية الوقاحة والاحتقار للمواطن فقد تجلت في ما سُرّب من أخبار عن شراء اللقاحات. حيث تبين أن ما سيصل من لقاحات فايزر إلى لبنان لا يزيد عن ستين ألف لقاح يلبي حاجة ثلاثين ألف شخص، بحيث يقتصر المستفيدون من هذا اللقاح على الرؤساء والوزراء والنواب وكبار الموظفين والضباط والزعامات السياسية والمحاسيب.

ومن المعروف أنه في سائر البلدان تكون الأولوية في تلقي اللقاحات لعناصر الطواقم الطبية والاستشفائية والإسعاف وكبار السن والعاملين في مجالات حيوية لا ينبغي لها أن تتوقف. بينما هنا في لبنان حيث لا حكومة ولا مسؤولين بل عصابات مافيوية يحميها حزب الله بسلاحه خارج كل القوانين وفوق الدستور، تكون الأولوية لقادة هذه العصابات في الخدمة الصحية وفي اللقاحات!

'