عودة الأب بعد غياب طويل تربك استقرار الأسرة – مصدر24

عودة الأب بعد غياب طويل تربك استقرار الأسرة

عودة الأب بعد غياب طويل تربك استقرار الأسرة

تعيش الأسرة أثناء الغياب الطويل للأب وضعا عائليا خاصا، حيث يكبر الأبناء في فترة الغياب ويتعودون على عدم وجوده مما يؤدي إلى مواجهة الأسرة مشاكل محتملة تربك استقرارها بعد عودته، ويخلف الشوق والانتظار الطويلان خيبة أمل بسبب اختلاف الطبائع والتعود على غياب السلطة الأبوية وما تمثله من حواجز لتصرفات الأبناء خاصة منهم الذين يشبون في غياب الأب.

يخلق الغياب المطول للأب حالة من عدم الانسجام بينه وبين أفراد الأسرة بسبب اختلاف الطباع بينهم وتعود كل طرف على غياب الطرف الآخر.

وقال الأخصائيون في علم النفس إن غياب الأب المطول يجعل كلا الطرفين يتعودان على البعد ويتكيفان مع هذا الوضع، وعندما يجتمعان مرة ثانية تحدث مشاكل لتعودهما على البعد.

كما أوضحوا أن عودة الأب بعد غياب تسبب الارتباك للجميع، لأنه عندما يطول الغياب يبدأ كل فرد في التكيف مع الوضع الجديد ويحقق أغراضه ومصالحه، وعندما يعود الأب في إجازات يصبح دخيلا على الأسرة وضيفا قد تراه الزوجة وخاصة الأبناء ثقيلا.

وأشار المختصون إلى أن أفراد هذه الأسر يفتقدون إلى الانسجام والاحترام المتبادل في ما بينهم ويعانون مشكلات في تقبل سلوكيات بعضهم البعض، ورغم أن عودة الأب تعيد إلى الأسرة تماسكها إلا أن الكثير من الأسر التي تعيش هذا الظرف تعاني حالة من الصدامات والصراعات، حيث يبحث الأب العائد عن مكانه البديهي كرب أسرة يكون فيها صاحب القرار والتوجيه، إلا أنه يقابل برفض لهذا الدور من قبل الأبناء نظرا إلى تعودهم على غيابه، مما يجعل الجو العائلي مشحونا بالتوترات

وأكد المختص في علم النفس، أحمد الأبيض، أنه في غياب الأب إما بالوفاة أو بالسجن أو بالعمل أو بتخليه عن دوره أو بإقالته منه وعندما تكون الأم مهيمنة ولا تكف عن التقليل من شأن زوجها يصبح الطفل لا يرى ذاته في والده وإنما في أمه.

وأوضح قائلا لـ”العرب”، “لذلك عندما يكون الأب غائبا جراء اضطراره إلى العمل بعيدا أو لأسباب أخرى فيجب على الأم أن تؤكد حضور الأب من خلال تقديم صورة نموذجية عنه، وهو ما يجعل الطفل ينمو بشكل سليم”.

كما أفاد الأبيض بأن الطفل يعتبر والده رمزا للذكورة فيتماهى معه كما أنه يعتبره رمزا للسلطة، مشيرا إلى أن الأم تعتمد في العديد من الأحيان على سلطة الأب للسيطرة على أبنائها وهذا مهم حتى يعرف الطفل باكرا أن هناك ما هو ممنوع وما هو جائز. وأضاف أن الحياة بطبيعتها فيها كل الممنوعات وإذا لم يكن الطفل يخشى سلطة والده أو إذا حصل على كل ما يرغب فيه سيكون ذلك بمثابة فتح المجال لتبني السلوكيات المنحرفة.

وأوضح خبراء العلاقات الأسرية أن فترة الغياب الطويلة تجعل طباع الأب تتشكل بعيدا عن أسرته، وفي مقابل ذلك تكتسب الأم والأبناء طباعا يسيطر عليها التعود على عدم وجوده وتدخله في تسيير شؤون حياتهم، وقد يرفض الأبناء هذا التدخل الذي يعتبرونه غير مقبول نظرا إلى عدم تعودهم على وجوده بالأساس فيصبح وكأنه غريب في بيته.

وكشف الخبراء أن عدم الانسجام الذي يخلفه غياب الأب المطول عن الأسرة، يؤدي إلى صراع حاد بداخلها، وقد يتقبل الأبناء سلطة الأم وتوجيهاتها وفي مقابل ذلك يرفضون أي تصرف تلقائيا من قبل الأب، وقد يلجأ الأب إلى اتباع أساليب العنف، لفرض سيطرته على العائلة، مما يهدد استقرارها ويدخلها في مشاحنات وخلافات لا حدود لها.

ونبهوا إلى أن علاقة الأب العائد بكافة أفراد أسرته يسيطر عليها استنكار واستغراب كل طرف من تصرفات وسلوكيات الطرف الآخر، وبينما يتوقع الأب ردود فعل معينة تجاه ملاحظاته وأوامره يفاجأ بتصرفات يسودها الشعور بالغربة وتتسم العلاقة بين الأب العائد وباقي أفراد أسرته بالصدام.

الآباء الذين يعيشون تجربة الغربة لا يشعرون بالارتياح بعد عودتهم بسبب التغييرات في طباعهم

ويفتقد الأب العائد الخبرة في التعامل مع أفراد أسرته بسبب جهل كافة تفاصيل حياتهم التي تبلورت في فترة غيابه عنهم، فهو لا يدرك مشاكلهم ومشاغلهم، وقد تكون سلوكياته تلقائية إلا أنه يجابه بعدم تقبلهم لها من جراء الفجوة التي أحدثها الغياب بينهم وبينه.

وقال المختصون إن نفور الأبناء من الضوابط التي بدأ الأب يضعها ومن الحزم الذي يتعامل به معهم يمكن أن يولد صداما بينهم وقد يفاجأ الأب بتبني الأبناء لسلوكيات كان يعتبرها من المحرمات، وبمجرد أن يعبر عن رفضه لها يتأجج الصراع بينه وبين بقية أفراد الأسرة التي لا تقبل مبادراته وأسلوبه في التغيير وخاصة الأبناء، فينفرون منه ويصل توتر العلاقة بينهم إلى حد الإساءة إليه، حيث يرونه عائقا أما تحررهم.

ولا يشعر الكثير من الآباء الذين يعيشون تجربة الغربة بالارتياح بعد عودتهم بسبب التغييرات في طباعهم التي حدثت لهم في فترة الابتعاد، مما يؤثر على العلاقة بينهم وبين أفراد أسرهم الذين لا يتقبلون وجودهم بينهم بسهولة ويعتبرون تدخلهم في تفاصيل حياتهم ليس من مشمولاتهم.

ويجد بعض الأبناء تناقضا بين ما كان يبديه الأب لهم من شوق وهو في غربته وبين فتور مشاعره تجاههم، ونبه المختصون إلى أن كثرة النزاعات وفقدان الأب للخبرة في معاملته لأبنائه وإحساس الأبناء بأن تصرفاتهم لا يستسيغها الأب تنشئ حاجزا بين أفراد الأسرة وتفقده خيط التواصل معهم.

كما أن عودة الزوج بعد غياب طويل والتغيرات التي تصاحبها في طباعه وسلوكياته وحتى مشاعره قد تصيب الزوجة بخيبة أمل، مما يؤثر على مزاجها، خاصة إذا لاحظت أن الزوج لا يقدر معاناتها في غيابه ولا تضحيتها.

 

'