عين تركيا على قاعدة متقدمة في البلقان – مصدر24

عين تركيا على قاعدة متقدمة في البلقان

طوال السنوات الماضية جعل الاتحاد الأوروبي دول البلقان الاستراتيجية على حدوده الشرقية خارج أولوياته، مركزا في دعمها على كبح تدفق المهاجرين إليه. وهو الأمر الذي ترك فراغا كبيرا استثمرته أنقرة لبناء شبكة نفوذ واسعة تعزّزت معها أدوات الضغط التركية على الخصوم الأوروبيين.

أنقرة – استكمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعلانه تأسيس مجلس للتعاون الاستراتيجي مع جمهورية ألبانيا رسم خارطة نفوذه في المناطق الكبرى المحيطة. فبعد القوقاز وشرق المتوسط والمنطقة العربية باتت تيرانا قاعدة تركية متقدمة في البلقان.

ووقعت تركيا وألبانيا، الأربعاء، جملة من الاتفاقيات شملت مجالات عدة بينها بيان سياسي مشترك حول تأسيس مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين خلال مراسم أقيمت في المجمع الرئاسي التركي بحضور أردوغان وضيفه رئيس الوزراء الألباني إيدي راما الذي يؤدي زيارة رسمية إلى أنقرة.

وشملت الاتفاقيات الثنائية أيضا مجالات الصحة والتعليم والشؤون الدينية، حيث تم توقيع بروتوكول لترميم مسجد قورشونلو التاريخي العثماني في مدينة إشقودرة الألبانية.

وفي وقت وافقت فيه المفوضية الأوروبية على بدء مفاوضات انضمام ألبانيا إلى الاتحاد الأوروبي، تستعرض تركيا عضلاتها الاقتصادية لجذب تيرانا ودول البلقان الأخرى إلى مدارها الجيواستراتيجي.

وباتت منطقة البلقان التي يجمعها بتركيا تاريخ استعماري طويل، الورقة الرابحة لأردوغان ضد أوروبا خاصة بعد إغلاق باب انضمام أنقرة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.

وتسعى أنقرة بسياستها الخارجية إلى توسيع رقعة تأثيرها السياسي من خلال استخدام العامل العرقي الذي يجمع الكثير من شعوب المنطقة المجاورة وصولا إلى العامل الديني المذهبي الذي بات وسيلة تركية هامة للتوسع الجغرافي السياسي على الحدود الشرقية لأوروبا، بعد أن استكملت بناء خارطة نفوذ في كل من سوريا وليبيا وقطر والسودان وجيبوتي والصومال واليمن وناغورني قرة باغ.

وتبدو استثمارات تركيا في ألبانيا انتقائية ومُركّزة استراتيجيا بحيث يكون لها الأثر الاقتصادي والسياسي الأعظم على السوق المالية وكذلك المشاريع الوطنية الكبرى.

ويشمل هذا امتلاك ثاني أكبر البنوك ومصانع الطاقة المائية ومصنع صهر الحديد وشركة الاتصالات السلكية واللاسلكية المملوكة سابقا للدولة وشركة تشغيل الهواتف المحمولة .

منطقة البلقان باتت الورقة الرابحة لأردوغان ضد أوروبا، خاصة بعد إغلاق باب انضمام أنقرة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي

ولأكثر من عقد من الزمان، استثمر أردوغان بكثافة في نشر نفوذه بين الألبان وذلك من خلال بناء المساجد والمدارس التركية وتمويل وسائل الإعلام والمؤسسات الدينية والأحزاب السياسية في الآونة الأخيرة والتي يديرها أقرباؤه، ما جعل تأثيره على المجتمع الألباني يزداد بشكل جوهري.

وتوضح البيانات ذات العلاقة أنّ تركيا قد استثمرت في ألبانيا ما يزيد على مليار دولار خلال السنوات العشرين الماضية، في مجال استصلاح الأراضي والقروض المالية والمساعدات الحكومية المباشرة وغيرها.

وتحتل تركيا المرتبة الثالثة شريكا في مجال التجارة مع ألبانيا بعد إيطاليا واليونان. ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين قرابة 420 مليون دولار، وتطمح تركيا إلى رفع هذه القيمة إلى خمسة أضعاف في السنوات القليلة المقبلة.

ولا يريد أردوغان أن يكون زعيما لجميع المسلمين فحسب، بل يريد أيضا أن يكون زعيما جيوسياسيا في البلقان والشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

وصرح الرئيس التركي عام 2013 عندما كان يزور بلدة بريزرين بكوسوفو، بأن “كوسوفو هي تركيا وتركيا هي كوسوفو”، فيما كتب وزير الخارجية التركي الأسبق أحمد داود أوغلو في كتابه “العمق الاستراتيجي” أن “البوسنة وألبانيا القوية هي الأهداف ذات الأولوية لتركيا في البلقان”.

وتقول السياسية الألبانية غريدة دوما التي تمثل الحزب الديمقراطي، ثاني أكبر مجموعة في البرلمان الألباني، “بالنسبة إلى راما، فإن تحدي رئيس الوزراء الألباني للاتحاد الأوروبي من خلال استرضاء أردوغان أمر خطير وقد يؤدي إلى عواقب وخيمة.. التقارب بين راما وأردوغان لا يخدم مصالح ألبانيا الجيواستراتيجية”.

ويرى متابعون أن الاتحاد الأوروبي أخطأ حين ترك دول غرب البلقان خارج إطار اهتماماته وأولوياته طوال العقود الماضية، وركّز بصورة أساسية على دول غرب أوروبا ووسطها، واكتفى بضمّ بلغاريا ورومانيا في شرق القارة إليه.

ويشير هؤلاء أن الاتحاد ترك بذلك فراغا كبيرا في الجناح الشرقي، أحسنت انتهازه تركيا لتعزيز موطئ قدمها هناك، كما أحسنت اغتنام الفرصة الجيوسياسية المتاحة.

وينظر دبلوماسيون غربيون إلى انضمام ألبانيا للاتحاد الأوروبي على أنه زيادة لأدوات الضغط التركي على هذا الاتحاد الذي ضعُف بخروج بريطانيا والذي سيضُعف أكثر بالتعاون التركي – البريطاني.

الاستراتيجية التركية تعتمد على الأدوات الناعمة وتقوم على تدخل مباشر سواء كانت في صورة ميليشيات كما في سوريا وليبيا، أو قواعد عسكرية صريحة كما في قطر، حليفتها الاستراتيجية

وفيما تبدي تركيا استعدادا للحوار مع اليونان، وترجئ إلى حين خطط التنقيب عن الغاز في المنطقة، التي تؤكد اليونان أنّها ضمن مجالها المائي الإقليمي، يعمل أردوغان في الجهة المقابلة على ابتزاز أثينا وإثارة التوترات على حدودها مع دول البلقان.

وتدعم أنقرة إحياء مشروع “ألبانيا الكبرى”، وهو مفهوم يهدف إلى توحيد الألبان داخل الأراضي التي يعتبرونها وطنهم الأم بناء على مطالبات حول الوجود الحالي أو التاريخي للسكان الألبان في تلك المناطق.

وبالإضافة إلى جمهورية ألبانيا حاليا، يشتمل هذا المفهوم على مطالبات بمناطق في الدول المجاورة. وتشمل هذه المناطق كوسوفو ووادي بريشيفو من صربيا، الأراضي الواقعة في جنوب الجبل الأسود، الشمال الغربي لليونان (الوحدات الإقليمية اليونانية في ثيسبروتيا وبروزة التي يشير إليها الألبان باسم تشامريا)، وغيرها من المناطق التي كانت جزءا من ولاية يانينا في عهد الإمبراطورية العثمانية، وجزء من غرب جمهورية مقدونيا الشمالية.

ويستهدف إحياء هذا المشروع أولا اليونان التي تقف في وجه التحركات التركية في شرق المتوسط، وثانيا الاتحاد الأوروبي.

واعتمدت الاستراتيجية التركية خلال السنوات الماضية على الأدوات الناعمة وتقوم على تدخل مباشر سواء كانت في صورة ميليشيات كما في سوريا وليبيا، أو قواعد عسكرية صريحة كما في قطر، حليفتها الاستراتيجية، أو في الصومال الذي نفذت إليه من باب المساعدات، أو في السودان حيث طمحت من قبل إلى إنشاء قاعدة عسكرية فيه.

وفي أغسطس الماضي أصدرت الرئاسة الألبانية، بيانا حول التعاون العسكري التركي ـ الألباني، جاء فيه “إنّ الرئيس الألباني، إيلير ميتا، صادق على اتفاقية وبروتوكول حول التعاون المالي والعسكري مع تركيا”، مشيرة إلى أنّ “الإسهامات التي قدمتها تركيا للقوات المسلحة الألبانية تعكس إرادتها المتواصلة منذ سنوات في دعم العلاقات المستقرة مع جمهورية ألبانيا”.

وأضافت الرئاسة الألبانية أنه بموجب الاتفاقية ستستلم ألبانيا من تركيا تمويلا على شكل منحة، لتستخدمه لاحقا في شراء خدمات ذات أغراض عسكرية. ولم يستبعد مراقبون أن تكون هذه الاتفاقية فاتحة لتركيز قاعدة تركية عسكرية دائمة في ألبانيا.

'