غلاف “روزاليوسف” يشعل أزمة بين القائمين على الإعلام في مصر – مصدر24

غلاف “روزاليوسف” يشعل أزمة بين القائمين على الإعلام في مصر

غلاف “روزاليوسف” يشعل أزمة بين القائمين على الإعلام في مصر

تحولت الضجة التي ثارت بسبب غلاف مجلة “روزاليوسف” الحكومية الذي تضمن صورة أحد أساقفة الكنيسة والمرشد العام لجماعة الإخوان المصنفة إرهابية، إلى قضية إعلامية تنذر بأن خلاف الهيئات المسؤولة عن القطاع وصل إلى مرحلة يصعب التنبؤ بتبعاتها على المشهد.

القاهرة – شن الإعلامي وائل الإبراشي مقدم البرنامج الحواري الرئيسي على التلفزيون المصري، هجوما استثنائيا على وزير الإعلام أسامة هيكل، واتهمه بالتقصير في احتواء غضب الكنيسة والأقباط بسبب غلاف مجلة “روزاليوسف” الحكومية، الذي وُصف بأنه “أهان أساقفة” وصنفهم بأنهم متمردون على تواضروس الثاني، بابا الكنيسة بمصر.

واستنكرت الكنيسة، الجمعة، ما وصفته بـ”التطاول” الإعلامي عليها في شخص أحد أساقفتها، بعد أن وضعت “روزااليوسف” صورته على الغلاف بجانب صورة محمد بديع مرشد جماعة الإخوان المصنفة إرهابية تحت عنوان “الجهل المقدس”، واعتبرت تصرف المجلة لا يندرج تحت حرية الرأي والتعبير، بل هو “إساءة وتجاوز لا يجب أن يمرّا دون حساب”.

وأثنى الإبراشي على حكمة ومهنية رئيس الهيئة الوطنية للصحافة كرم جبر، لتدخله السريع لاحتواء الموقف بإحالة رئيس تحرير المجلة للتحقيق، وتقديم اعتذار للكنيسة، التي كانت أصدرت بيانا صحافيا غاضبا طالبت فيه برد الاعتبار، وهددت باللجوء إلى القضاء.

وقال “ليس مطلوبا من وزير الإعلام أن يكون مدير مدرسة يُملي علينا التعليمات ويحدد ما نقوله بل يضع سياسة إعلامية”، وهنا كان يتحدث عن حتمية وجود مساحة للرأي، لكن ما يثير التعجب، أنه عندما تطرق إلى أزمة غلاف المجلة نفى علاقته بحرية التعبير، ما يعكس أن الأزمة مع هيكل لها أبعاد أخرى غير إعلامية.

ورأى البعض في هجوم الإبراشي على وزير الإعلام، بداية حقيقية لأن يكون تلفزيون الدولة متحررا من الهيمنة الحكومية على ما يقال وما لا يُقال، لكن هناك من صنف النبرة الحادة بأنها لا تخلو من تصفية حسابات، ومحاولة إظهار وزير الإعلام بـ”المتخاذل”، مقابل تبييض وجه آخرين يشاركونه في إدارة المشهد.

وصرح سامي الشريف، رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون السابق، لـ”العرب”، أن هجوم منبر حكومي على وزير في الحكومة أمر وارد، طالما أنه لم يقم بتنفيذ المهمة التي جاء من أجلها، وهي وضع سياسة إعلامية للدولة، لأن ما يحدث في الوقت الراهن يعكس أن كل صحيفة وبرنامج يغرد بمفرده، وهذه فوضى يجب أن تتوقف.

ويتحدث معارضون لرأي الشريف، بأنه يصعب فصل هجوم تلفزيون رسمي على الوزير المكلف بإدارة الإعلام عن التصريحات التي أدلى بها الأخير قبل أيام، وانتقد فيها تعامل الكوادر الإعلامية داخل ماسبيرو بعقلية الموظفين، وأن أزمة اتحاد الإذاعة والتلفزيون تكمن في عدم استغلال إمكانياته البشرية المتميزة.

ويمكن من خلال هذا التصريح فك شفرة الهجوم الإعلامي على أسامة هيكل، وأن الخلاف معه بعيد عن محاولة تطويق غضب الكنيسة بتوجيه اللوم إليه، فقد انتقد بشكل صريح طريقة تطوير تلفزيون الدولة، وأعرب عن امتعاضه من الكوادر التي يتم الاعتماد عليها، في حين أن هناك آخرين أكثر تميزا.

وأوضح صفوت العالم، أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة، أن إقحام وزير الإعلام طرفا في أزمة الكنيسة والمجلة والهجوم عليه، لا علاقة له بحرية الرأي والتعبير، ويندرج تحت التصيد المتعمد، وأن هيكل أصبح يشكل لها أزمة، لذلك تسعى لأن يستمر مقيدا.

توظيف أزمة تصعيد الكنيسة ضد مجلة لتوجيه دفة الهجوم على وزير الإعلام، يندرج تحت معركة تكسير العظام

وأضاف لـ”العرب”، أن الجهة التي تحتكر إدارة المنظومة تتعامل على أنها أقوى من الوزير، وبإمكانها تحريك أي صوت للاحتكاك معه، بذريعة إخفاقه في وضع سياسة إعلامية للدولة، في حين أن السياسة التي يطالب بها الإبراشي سوف تكبل حريته، لكن تم توظيف هذه الكلمة المطاطة لتضفي شرعية على انتقاد الوزير من خلال تلفزيون الدولة.

ويُفترض أن الجهات التي تدير ملف الإعلام وتمتلك أغلب مؤسساته، أشرفت على تطوير ماسبيرو قبل شهور، واستعانت بإعلاميين من مؤسسات أخرى تمتلكها وتديرها، وكان بينهم وائل الإبراشي، الأمر الذي أثار استهجان كثيرين، لأن نفس الجهات سبق وأخفقت في إدارة قنوات وصحف تسيطر عليها.

وسخط وزير الإعلام على طريقة إدارة التلفزيون الرسمي لم يكن ليمر دون حساب، كما أن انتقاده بشكل غير مباشر لاستدعاء إعلاميين من خارج المبنى، تطلب وقفة في أقرب فرصة، ما ينذر بفتح المجال لمعارك مقبلة بين الوزير والمنابر التي ما زال يفتقد السيطرة عليها ضمنيا.

وتظل أزمة وزير الإعلام، أنه لا يكل من الحديث عن حتمية عودة الإعلام الرسمي للريادة ومنحه منسوبا من الحرية في تناول القضايا، مع فصل منابره عن الإعلام الذي يُفترض أنه خاص، لتحقيق التوازن والاعتدال والمصداقية، لكنه يواجه معضلة معقدة بتحول أغلب وسائل الإعلام لكيان واحد تغيب عنه التعددية والجرأة.

والمشكلة الأكبر أن الرجل لا يملك صلاحيات مطلقة تسمح له بمعاقبة مذيع أو رئيس تحرير صحيفة، حتى الإبراشي عندما انتقده بضراوة لعدم تدخله في أزمة الكنيسة، كان يُدرك أن هيكل يده مغلولة عن فعل شيء، إما خشية اتهامه بالقفز على صلاحيات هيئة أخرى (الوطنية للصحافة)، أو قيام بعض الأطراف باستغلال تدخله للإيحاء بأن هناك أزمة بين الحكومة والكنيسة استدعت ظهور وزير بالحكومة، في حين أن القضية مهنية بحتة.

ويرى مراقبون، أن توظيف أزمة تصعيد الكنيسة ضد مجلة تكاد تكون انقرضت، كحال باقي الإصدارات الأسبوعية والشهرية، لتوجيه دفة الهجوم على وزير الإعلام، يندرج تحت معركة تكسير العظام بينه وبين جهات تسعى لاستمرار هيمنتها على المشهد.

يقول هؤلاء إن هذه الجهات لديها شعور بأن زيادة الاعتماد عليها من جانب دوائر الحكم لتكون صاحبة اليد العليا في إدارة المنظومة الإعلامية لن يتم دون إظهار وزير الإعلام في صورة الضعيف، ليكون حضورها أمرا حتميا للحد من خسائر سياسية قد تنجم عن تهميشها.

وأكد سامي الشريف أن الصدام والتضارب في الأدوار بين وزارة الإعلام والهيئات الإعلامية لن ينتهي قبل إلغاء الأخيرة، فكل رئيس جهة من هؤلاء يعتبر نفسه وزيرا محصنا من التدخل في سياساته، ما يكبل وزير الإعلام عن التحرك خطوة واحدة للأمام.

وما يثير امتعاض الأطراف المتصارعة مع وزير الإعلام، أنه يخرج على فترات للحديث حول تكليفه سياسيا بإنهاء ملف التغييرات الصحافية والإعلامية، ويشعر رؤساء وأعضاء الهيئات بأن مستقبلهم بين يديه. ولأنه غير مقتنع بأغلب هؤلاء، اتجه بعضهم للتشكيك في قدراته ودوره لإثناء الحكومة عن تكليفه بمهمة اختيار القيادات الإعلامية.

وذهب صحافيون إلى أن معاقبة مجلة لمجرد أنها نبشت في ملف حساس داخل الكنيسة رسالة ترهيب للإعلام، وأن المؤسسات الدينية جهات مقدسة ومحصنة من النقد، ما يثير الشكوك حول جدية الحكومة في التقدم خطوات للأمام في ملف حرية الرأي والتعبير، طالما أنها لا تتوقف عن توسيع دائرة الجهات المحاطة بالحصانة والخطوط الحمراء.

'