فاتورة الرواتب تزيد الضغوط على الموازنة التونسية – مصدر24

فاتورة الرواتب تزيد الضغوط على الموازنة التونسية

بات كابوس عدم القدرة على سداد رواتب الموظفين في تونس هاجسا كبيرا للحكومة في ظل ارتباك التوازنات المالية وارتفاع فاتورة الرواتب بالتوازي مع شحّ الموارد وجسامة النفقات، مما يقوض القدرة على الإيفاء بالالتزامات ويهدد بالعجز عن صرف الرواتب على المدى المتوسط.

 تونس- يجمع خبراء أن عجز تونس على سداد الرواتب بات أمرا لا مفر منه في ظل تعثر إصلاح الإنفاق العام عبر التحكم في فاتورة الرواتب والذي يعد من أبرز شروط المانحين، ما تسبب في ارتباك التوازنات وتقويض قدرة البلاد على الإيفاء بالتزاماتها الخارجية والداخلية في ظل اتساع مخصصات رواتب موظفي القطاع العام الذين يمثلون عبئا مزمنا يثقل كاهل الدولة.

وحذر النائب بالبرلمان التونسي ياسين العياري من خطورة الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد، مشيرا إلى أن الدولة قد لا تستطيع صرف رواتب الموظفين وقد تكون مجبرة على عدم خلاص المزوّدين من أجل صرف الرواتب. وطالب العياري الطبقة السياسية بضرورة الكف عن العبث مضيفا قوله “البلاد تغرق وسنخرج منها لاجئين”، حسب تعبيره.

وقدرت الحكومة حجم الرواتب في مشروع موازنة 2021 بـ20 مليار دينار (7.2 مليار دولار)، أي ما يعادل 17 في المئة من الناتج الداخلي الخام. كما ضبطت عدد موظفي القطاع العام بـ644 ألف موظف.

رضا الشكندالي: عدد الموظفين مرتفع والدولة عاجزة عن التصرف في الموارد

وتتعرض البلاد لضغوط من مقرضين دوليين لإجراء إصلاحات اقتصادية وتجميد الرواتب في القطاع العام التي زادت إلى أكثر من 19 مليار دينار في 2020 مقابل 7.6 مليار دينار عام 2010.

وقال أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي في تصريح لـ”العرب” إن “عدد الموظفين مرتفع والدولة عاجزة عن التصرف في الموارد المالية، لكن في المقابل لدينا معطلون أكفاء”. وأضاف “الإشكال يتمثل في سوء التصرف في العدد الهائل من الموظفين، فتجد مثلا في الجهات الداخلية نقصا في عدد الموظفين مقابل كثرة عددهم في أماكن أخرى وهي مشكلة في التوظيف البشري”.

وتابع “فاتورة الرواتب كبيرة ونستطيع أن نخلق منها عاملا أساسيا للنمو، وعندما ترتفع الرواتب يرتفع الاستهلاك والدولة تخشى استهلاك المواد الموردة على حساب المواد المحلية، وهي التي تخنق الاستثمار الخاص والمؤسسات”.

ومن جهته أفاد وزير التكوين المهني والتشغيل السابق فوزي بن عبدالرحمن أن “كل الدول لا يمكن أن تفلس، لكنها قد لا تقدر على سداد القروض، وتونس بلاد صغيرة من الناحية المالية والناتج القومي الخام يبلغ 45 مليار دولار”. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الإشكال الحقيقي والوحيد هو الوضع السياسي المأزوم الذي يحول دون الاعتماد على الدول الصديقة”.

وتابع “كتلة الرواتب تبلغ 19 مليار دينار (6.94 مليار دولار) ما يمثل 18 في المئة من الناتج المحلي الخام، وهي ليست مرتفعة، فضلا عن وجود 3.4 مليون موظف وعامل منهم 800 ألف في القطاع العام”، داعيا إلى “ضرورة الاشتغال على خلق الثروة في تونس”.

ويرى خبراء الاقتصاد أن نفقات الدولة المتعلقة بالرواتب أصبحت عبئا كبيرا على الموازنة مقابل ضعف كبير في نفقات التنمية والمشاريع العامة التي تخلق الثروة، محذرين من التضخم المالي.

ويستمر عجز السلطات التونسية على احتواء كتلة الرواتب بعد تسجيل زيادة بـ217 مليون دينار (نحو 79 مليون دولار) هذا العام، وتوقعات ببلوغ نفقات الرواتب 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

وتتخوف أوساط تونسية من تأثير انفلات نفقات الرواتب على علاقة تونس بشركائها الماليين وقدرتها على تعبئة الموارد لتمويل موازنة العام القادم في ظل لجوء الحكومات المتعاقبة إلى عمليات توظيف عشوائي من دون وجود موارد مالية كافية.

هشام العجبوني: عدم إيجاد الحلول سيجبرنا على التداين ولا بد من استقرار سياسي

وفشلت الحكومات المتعاقبة في تقليص مخصصات الرواتب وتنفيذ تعهدات الدولة بجعلها في حدود 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وفق اتفاق موقّع مع صندوق النقد الدولي عام 2016.

وسبق أن وقّعت الحكومة مع الاتحاد العام التونسي للشعل (أكبر منظمة نقابية بالبلاد) اتفاقا تم بموجبه إدماج 31 ألف عامل من عمّال الحضائر (يشتغلون بعقود عمل مؤقتة) في القطاع الحكومي بعد سنوات من الانتظار.

وقال وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار علي الكعلي في تصريحات صحافية إن “تسوية وضعية عمال الحضائر ستكلف الدولة مليار دينار سنويا ستنضاف إلى كتلة الرواتب المقدرة بـ20 مليار دينار (7.27 مليار دولار)”.

ويرى الخبير الاقتصادي الصادق جبنون في تصريح لـ”العرب” أن “المخاطر الرئيسية تكمن في انفلات التضخم المالي وتباطؤ الاقتصاد وغياب الاستثمار”. وأضاف جبنون “هناك مخاطر اقتصادية حقيقية كنسبة النمو ومخاطر جراء الأزمة الصحية”، مشيرا إلى أن “الاستقرار السياسي والهدنة بين مختلف الأطراف أصبحا ضروريين، فضلا عن الانطلاق في الإصلاح لتحرير الاقتصاد وجعله أكثر تنافسية”.

وحسب مراقبين لم تلتزم تونس بشروط الإصلاح الاقتصادي وكبح كتلة الرواتب، ما يؤثر على شروط التفاوض مستقبلا مع صندوق النقد الدولي ومختلف الشركاء الماليين. وأفاد مقرر لجنة المالية والتخطيط والتنمية بالبرلمان هشام العجبوني في تصريح لـ”العرب” أن “ضعف الموارد المالية له تداعيات خطيرة خصوصا على نسبة التضخم وهو ما سيحدّ من القدرة الشرائية للمواطنين وسينعكس على ميزانية الدولة”.

وأضاف “المشكلة الأساسية هي عدم قدرة الاقتصاد التونسي على خلق الثروة، والحل الوحيد يتمثل في إرساء استقرار سياسي وتحديد مختلف الآليات”. وتابع “عدم إيجاد حلول اقتصادية سيجبرنا على التداين وتصبح نسبة الدين مرتفعة، وليس هناك حل إلا بدفع النمو الاقتصادي”.

وتعاني المالية العامة التونسية من وضع صعب للغاية، حيث تشير التقديرات إلى بلوغ العجز المالي 11.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وهو الأعلى منذ ما يقرب من أربعة عقود، في حين تهدف ميزانية 2021 إلى خفض العجز المالي إلى 6.6 في المئة.

وتضاعفت فاتورة الرواتب في تونس إلى نحو 20.1 مليار دينار (7.45 مليارات دولار) في 2021، من 7.6 مليار دينار في 2010، بزيادة بلغت 164 في المئة.

وارتفعت كتلة الرواتب نتيجة التوظيف الإضافي في قطاع الصحة لمجابهة جائحة كورونا إلى نسبة 17.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وهي من بين النسب الأعلى في العالم.

أوساط تونسية تتخوف من تأثير انفلات نفقات الرواتب على علاقة تونس بشركائها الماليين وقدرتها على تعبئة الموارد لتمويل موازنة العام القادم

وتتخبط الحكومة التونسية بين شروط صندوق النقد الدولي والنقابات العمالية، فبينما تطالب إدارة الصندوق بضبط كتلة الرواتب قبل السماح بإقراض الدولة المثقلة بالعجز المالي والديون، يرتفع سقف المطالب الشعبية بالتوظيف وتحسين المعيشة، الأمر الذي يزيد من صعوبة المفاوضات التي تقدم عليها الحكومة في الجهة المقابلة لإقناع النقابات العمالية باتفاق يجمد الرواتب لضبط الموازنة وإرضاء صندوق النقد.

وطالب صندوق النقد الدولي تونس بخفض فاتورة الرواتب والحد من دعم الطاقة لتقليص العجز المالي، مما يضع المزيد من الضغوطات على الحكومة الهشة بينما تعاني البلاد أزمة مالية وسياسية. وارتفعت معدلات البطالة إلى حدود 17.4 في المئة خلال الربع الرابع من سنة 2020، بعد فقدان 78.3 ألف وظيفة في الفترة الممتدة بين رُبعي العام الأخيرين.

'