فرنسا تنوي القيام بـ”خطوات رمزية” لتفادي الاعتذار من الجزائر – مصدر24

فرنسا تنوي القيام بـ”خطوات رمزية” لتفادي الاعتذار من الجزائر

باريس- قالت الرئاسة الفرنسية، الأربعاء، إثر تسلمها تقريرا حول استعمار الجزائر أعده المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا، إنها تعتزم القيام بـ”خطوات رمزية” لمعالجة الملف، لكنها لن تقدم “اعتذارات”، في خطوة قد تزيد من توتر العلاقات بين باريس والجزائر.

وأضاف الإليزيه أن الرئيس إيمانويل ماكرون سيشارك في ثلاثة احتفالات في إطار الذكرى الستين لنهاية حرب الجزائر في 1962، هي اليوم الوطني للحركيين في 25 سبتمبر وذكرى قمع تظاهرة الجزائريين في باريس في 17 أكتوبر 1961، وتوقيع اتفاقيات إيفيان في مارس 1962.

وسلم ستورا، الأربعاء، الرئيس الفرنسي تقريره حول الاستعمار وحرب الجزائر (1954 – 1962) الذي يحتوي على مقترحات ترمي لإخراج العلاقة بين فرنسا والجزائر من حالة الشلل التي تسببها قضايا الذاكرة العالقة.

كمال بالعربي: فرنسا لا تريد الاعتذار من الجزائر ونحن نريد تجريم الاستعمار
كمال بالعربي: فرنسا لا تريد الاعتذار من الجزائر ونحن نريد تجريم الاستعمار

وفي المقابل، يبدو أن الجزائر مصممة على بلوغ هدفها المنشود وهو دفع فرنسا إلى الاعتذار عن “الجرائم الاستعمارية”، ما قد يؤدي إلى احتدام التوتر بين البلدين في ظل رفض باريس الاستجابة لمطلب الجزائر التي شددت مرارا على أنها لن تطوي صفحة الماضي الاستعماري.

وقال النائب البرلماني عن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر كمال بلعربي، إن “فرنسا لا تريد الاعتذار ونحن نريد تجريم الاستعمار”، في إشارة إلى مشروع قانون تم تقديمه لتجريم الاستعمار.

وذكر بلعربي في تصريح لـ”العرب”، أن “ما ورد في تقرير المؤرخ بنيامين ستورا يثبت بأنه لا نوايا حسنة لدى فرنسا لتسوية ملف الذاكرة بين الشعبين والبلدين، وأن المسألة تنطوي على تلاعب يطفو على السطح أثناء الاستحقاقات الانتخابية من أجل استمالة الناخب المهاجر”.

وأضاف “لقد ثبت وفق ما تسرب عن مضمون التقرير بأن الملف تستغله فرنسا لأغراض سياسية وانتخابية لا غير، فمن أجل الوقوف في وجه اليمين المتطرف يتوجب عليهم استمالة الناخبين من كل الفئات، ولذلك تتم المناورة بملف التاريخ العالق منذ الاستقلال الوطني إلى اليوم”.

والأربعاء، اقترح ستورا على الرئيس الفرنسي تشكيل لجنة “ذاكرة وحقيقة” تُكلف بطرح “مبادرات مشتركة بين فرنسا والجزائر حول قضايا الذاكرة”، بهدف تحقيق تصالح بين ضفتي المتوسط.

وكان ماكرون قد كلف ستورا، أحد أبرز الخبراء المتخصصين بتاريخ الجزائر الحديث، في يوليو الماضي من أجل إعداد “تقرير دقيق ومنصف” حول ما أنجزته فرنسا بشأن “ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر” في محاولة لتسوية ملف الذاكرة الذي لطالما سمم الأجواء بين البلدين.

ويبدي ماكرون وهو أول رئيس فرنسي ولد بعد هذه الحرب، عزمه على حلحلة هذا الملف ومحاولة تهدئة العلاقات المتقلبة منذ عقود بين البلدين والمرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتاريخ منذ غزو الجزائر واحتلالها عام 1830 إلى حرب الاستقلال.

وفي فبراير 2017 زار الرئيس الفرنسي الجزائر في خضم حملته للانتخابات الرئاسية، وصرح للتلفزيون الجزائري أنه “من غير المقبول تمجيد الاستعمار” الذي “يمثل جزءا من التاريخ الفرنسي”، وهو “جريمة ضد الإنسانية”. وقد لقيت تلك التصريحات انتقادا واسعا من خصوم ماكرون اليمينيين في فرنسا، بينما احتفظت بها الأوساط السياسية في الجزائر لمواجهة ماكرون في حال رفضه تقديم اعتذار رسمي.

بنيامين ستورا سلم الرئيس الفرنسي تقريره حول الاستعمار وحرب الجزائر (1954 – 1962)
بنيامين ستورا سلم الرئيس الفرنسي تقريره حول الاستعمار وحرب الجزائر (1954 – 1962)

وفي الجزائر، كلف الرئيس عبدالمجيد تبون مدير الأرشيف الوطني ومستشاره الخاص عبدالمجيد شيخي بالعمل على ملف الذاكرة بالتنسيق مع بنيامين ستورا في مقاربة مشتركة ومنسقة بين رئيسي الدولتين.

وفي فرنسا تحضر الجزائر بقوة في الذاكرة العائلية للملايين من الفرنسيين والجزائريين سواء كانوا من الأقدام السوداء (الفرنسيون المولودون في الجزائر خلال الاستعمار)، أو المجندين في الحرب التي بقيت لفترة طويلة توصف بمصطلح “أحداث في الجزائر”.

وكتب ماكرون في رسالة تكليف ستورا “من المهم أن يُعرف تاريخ حرب الجزائر وينظر إليه بعقل متبصّر. فالأمر ضروري لراحة وصفاء نفس من أضرت بهم”. ورأى أن الأمر يتعلق أيضا “بمنح شبابنا إمكانية الخروج من النزاعات المتعلقة بالذاكرة”.

ومن الجانب الجزائري، أعرب تبون في مقابلة مع صحيفة “لوبينيون” الفرنسية، عن أمله في أن يعمل شيخي وستورا “في جوّ من الحقيقة والصفاء والهدوء لحلّ هذه المشاكل التي تسمّم علاقاتنا السياسية ومناخ الأعمال وحسن التفاهم”. وتنتظر الجزائر من باريس أن تقدم لها “كلّ” أرشيف الفترة الاستعمارية المتعلق بها، وفق عبدالمجيد شيخي أحد المشاركين في حرب الاستقلال.

وقال شيخي “تطالب الجزائر بكلّ أرشيفها الموجود في قسم كبير منه في فرنسا”، مشيرا إلى أن فرنسا “لطالما قدّمت ذرائع” لعدم تسليمه “مثل عدم رفع السرية عن جزء من الأرشيف رغم أنه جُمع قبل عقود”. وسبق أن أعادت فرنسا إلى الجزائر جزءًا من الأرشيف، لكنها احتفظت بالجزء المتعلق بالتاريخ الاستعماري والذي يقع، وفقًا لها، تحت سيادة الدولة الفرنسية.

'