فوضى الإنفاق العام في تونس توسع رقعة الديون – مصدر24

فوضى الإنفاق العام في تونس توسع رقعة الديون

تونس – بات التداين الخارجي في تونس أمرا لا مفر منه في ظل شح الموارد مقابل ارتفاع النفقات العامة مما يفرض ضرورة الاقتراض لدفع رواتب الموظفين حيث توجه القروض إلى الاستهلاك بدل تعزيز الاستثمارات ومعالجة أوضاع الشركات المتعثرة التي تكافح سوء التسيير في ظل تلكؤ الإصلاحات الهيكلية لإيقاف نزيف الخسائر.

وانتقل حجم الدين العام لتونس من نسبة 40.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2010 إلى 100 في المئة حاليا، باحتساب الديون المستحقة على الشركات العامة، مسجلا بذلك ارتفاعا قياسيا على مدى 10 سنوات.

وتبعا لذلك تجد تونس نفسها وسط “دوامة جهنمية”، بما أنها مجبرة على الاستدانة كل عام، حتى تتمكن من دفع الرواتب وتوفير الاعتمادات اللازمة لميزانيتها وسداد ديونها.

ويرى محللون أن الحكومات المتعاقبة كرست طيلة سنوات سياسة شراء السلم الاجتماعي بأي ثمن؛ حيث راهنت على التداين والتوظيف بكثافة في الشركات العامة ولم تراهن على الاستثمار لخلق الثروة، فارتفع عدد الموظفين من 435 ألفا إلى حوالي 800 ألف (أي ما يعادل 72 موظفا لكل 1000 نسمة)، ليتضاعف بذلك الدين العام.

وبدأ وفد حكومي تونسي مفاوضات في واشنطن مع ممثلي صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض جديد لتمويل إصلاحات اقتصادية تشمل بالخصوص تخفيض الدعم تدريجيا وإصلاحات ضريبية وإصلاح المؤسسات العمومية والتحكم في كتلة الأجور، إلى جانب إصلاحات أخرى تشمل الإدارة ومناخ الاستثمار.

عبير بن عون: دولة تعتمد على الاقتراض والجباية مهددة بالإفلاس
عبير بن عون: دولة تعتمد على الاقتراض والجباية مهددة بالإفلاس

وتتميز تونس بمزاج شعبي رافض للإصلاحات التي تمس بمكاسب الأجراء وبند الدعم، علاوة على المطالب الشعبية والنفوذ النقابي الذي لا نظير له والمتأتي تحديدا من الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية) الذي يرفض خصخصة الشركات العمومية وتسريح العمالة مما يعقد الأزمة.

وقالت الباحثة في العلوم الاقتصادية والخبيرة المحاسبة وعضو الهيئة الوطنية للخبراء المحاسبين عبير بن عون في تصريح لـ”العرب” إن “القروض الجديدة تستهدف سداد مستحقات سابقة ولم تعتمد الحكومة في جولتها مع صندوق النقد الدولي على خطة مدروسة ولم تستعن بالخبراء”، مبينة أن “الانتدابات العشوائية (توطين الوظائف) طيلة عشر سنوات أثقلت كاهل ميزانية الدولة”.

ورجحت الخبيرة “عدم نجاح جولة الحكومة التونسية في إيجاد منافذ تمويل نظرا إلى غياب خارطة واضحة للإصلاحات وغياب قانون مالية تكميلي يحتوي النفقات الجديدة المتعلقة بالوظائف الحديثة”، لافتة إلى أنه “في حال توصل تونس لاتفاق تمويل ستكون كلفة القروض باهظة جدا”.

وتسيطر على الأوساط الاقتصادية والشعبية في تونس هواجس التخلف عن سداد القروض مما يعني ضمنيا حسب خبراء تأبيد الأزمة الاقتصادية وتلاشي هوامش المناورة الاقتصادية.

وذكرت الخبيرة المحاسبة عبير بن عون أن “التخلف عن السداد لا يعني بالضرورة الإفلاس إلا إذا تكرر التخلف في مناسبات أخرى وفقدت الدولة كامل مواردها”، مشيرة إلى أن “ذلك لا ينطبق على تونس على الأقل على المدى القريب والمتوسط بفعل امتلاكها مواردَ”.

وشددت الباحثة عبير بن عون على أن ” دولة تعتمد علي الاقتراض والموارد الجبائية لن تستمر وتبقى مهددة بشبح الإفلاس”.

وأشارت الباحثة إلى أن “التضخم عاد منذ شهر أبريل الماضي”، لافتة إلى أن “الحكومة بصدد البحث عن هوامش قانونية لتوليد ضرائب جديدة لاسيما على المؤجرين، مما سيخلق ضغطا جبائيا من شأنه أن يزيد في توتير الوضع الاجتماعي”.

Thumbnail

من جهته قال الخبير المحاسب والجامعي وليد بن صالح في تصريح لـ”العرب” إن “مخزونات الدولة المالية تبخرت بعد ثورة يناير 2011 نتيجة ارتفاع مخصصات الأجور وارتفاع سعر برميل النفط حينها إلى حدود 110 دولارات”.

وأشار الخبير إلى أن “ذلك فتح الباب للتوسع في الاقتراض فيما لم توجه القروض إلى الاستثمارات وإنما تم استخدامها لتغطية نفقات الأجور مما تسبب في انخرام التوازنات العامة”.

واعتبر الخبير أن “الحكومات تدور في حلقة مفرغة وهي الاقتراض لتغطية النفقات”، مشيرا إلى أن جائحة كورونا عمقت الأزمة الاقتصادية وأربكت قدرة الدولة على تحمل التقلبات مما فرض مضاعفة الاقتراض”.

وتساءل الخبير عن مصير القروض الكبيرة التي حصلت عليها الحكومات لمكافحة فايروس كورونا، مشيرا إلى أن “وضع القطاع الصحي المتردي والهشاشة الاجتماعية يكشفان عن عدم وصول هذه القروض إلى أهدافها مما يعني أنها وجهت بدورها إلى نفقات الأجور، وهو ما يتعلق ببند الوظيفة العمومية في الموازنة والذي سجل ارتفاعا في ظل أزمة اقتصادية حادة تستوجب ترشيد الإنفاق العام”.

واعتبر الخبير أن الفرضيات التي بنيت عليها موازنة 2021 غير دقيقة حيث اعتمدت على نسبة نمو خيالية تقدّر بنحو 4 في المئة، وهو أمر صعب عمليا فضلا عن تحديد سعر برميل النفط بحوالي 45 دولارا وهو يبلغ حاليا حوالي 70 دولارا مما يجعل القانون فاقدا للأسس العلمية”.

 

وليد بن صالح: قانون الموازنة لم يحتسب نفقات 10 آلاف وظيفة جديدة
وليد بن صالح: قانون الموازنة لم يحتسب نفقات 10 آلاف وظيفة جديدة

 

وأشار الخبير إلى أن قانون الموازنة لعام 2021 الذي يحتوي على عجز مالي قياسي لم يحتسب النفقات الجديدة مثل قانون إحداث نحو 10 آلاف وظيفة جديدة في القطاع العام فضلا عن زيادات قطاعية لم يقع احتسابها على غرار الترفيع في أجور القضاة.

وألمح إلى أن “ثقة المانحين في تونس اهتزت”، لافتا إلى أن “الحكومة فتحت مفاوضات جديدة مع صندوق النقد دون ترتيب رزنامة عمل ولا آليات تنفيذ الإصلاحات، وهو ما يعمق التخبط في نفس الأزمة حيث لم يتم ضبط خطط للتحكم في الكلفة”.

وشكك الخبير في قيمة القرض الذي طلبته الحكومة التونسية والمقدر بنحو 4 مليارات دينار (حوالي 1.6 مليار دولار) مشيرا إلى أنه “دون ضبط خطة مفصلة ودقيقة للإصلاحات والقطاعات المعنية والكلفة لا يمكن أن يتم تحديد قيمة المستحقات، وهو ما منع حاليا تقدم المفاوضات مع المانحين”.

ومن المنتظر أن يتجاوز حجم الدين العام، الذي يشكل عبئا ثقيلا، عتبة الـ90 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2021، بينما تقدر الموارد المتأتية من الاقتراض الخارجي بأزيد من 13 مليار دينار (4.7 مليار دولار).

ويحذر محللون من أنه في حالة فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول برنامج جديد لدعم الاقتصاد التونسي، فإن البلاد قد تواجه خطر العجز عن سداد ديونها.

وبلغ رصيد الدين العمومي لتونس مستوى قياسيا يقدّر بنحو 92.8 مليار دينار (33.8 مليار دولار) في نهاية سنة 2020، مقابل 30.3 مليار دولار في 2019 أي (+11.3 في المئة).

وتؤكد بيانات رسمية خطورة الوضع حيث يتعين على البلاد أن تسدد هذا العام حوالي 3.3 مليار دولار من قيمة الديون الخارجية بما في ذلك الفوائد، وهو رقم قياسي وتاريخي باعتبار أن متوسط مبلغ الديون الخارجية التي تم تسديدها خلال السنوات الخمس الأخيرة لم يتجاوز 1.7 مليار دولار.

ويطالب اقتصاديون بتنفيذ الإصلاحات الحقيقية التي تكمن في احتواء السوق الموازية وإحداث إصلاحات جبائية ودفع الاستثمار الداخلي والخارجي عبر تسهيل وتسريع الإجراءات وهيكلة المؤسسات العمومية وخصخصة بعضها وتنقيح قانون الصرف لجذب الاستمارات.

'