قرار الستين دقيقة في المشهد العراقي – مصدر24

قرار الستين دقيقة في المشهد العراقي

مِن خطايا المُمارسات في العمل السياسي تلك الأوقات التي تُعلن ساعة الصفر فيها وصول لحظات الانفعال وشِدّة الغضب وعدم إدراك النتائج، ما يجعل مُطلقها من الزعامات يتخذ قرارات تكون أغلبها مُتعجّلة مُتسبّبة بذلك الارتداد العنيف الذي قد يُحدِث ضرراً لا يمكن تغافله أو تفاديه وتصيب شظاياها مُطلقها قبل غيره.

خطوة مُقتدى الصدر زعيم التيار الصدري التي أوجزها بِمُدة لا تتجاوز الستين دقيقة لانسحاب فصيله المُسلّح من ساحة المواجهة في المنطقة الخضراء مع مُسلّحي فصائل الأطراف المُناوئة له تزامُناً مع قراره بانسحاب أتباعه المُعتصمين من مُحيط البرلمان العراقي قد يُثير أكثر من سؤال عن جدوى هذه الخطوة، بالرغم من أنها جاءت لِحفظ دماء العراقيين على حدٍ سَواء وهي بصمة تُسَجّل لهذا الزعيم، لكن قراره المُفاجئ في لحظة الانفعال بانسحاب أتباعه المُتظاهرين السلميين من مُحيط مبنى البرلمان العراقي ربما أحدث صدمة أو مُفاجأة غير مُتوقعة للكثير من العراقيين المؤيدين لِخطوة الصدر بإحداث تغيير جذري في النظام السياسي ومُطالباته بِحلّ البرلمان وانتخابات جديدة ومُحاسبة الفاسدين وفتح صفحة جديدة لِمشهد سياسي عراقي بعيد عن الولاءات الخارجية عندما انتفض معه الكثير من فِئات الشعب وأبناء العشائر الذين قَدِموا إلى محيط البرلمان مؤيدين لهذه الخطوة التي تضامن معها حتى الجالس في بيته.

وكان بالإمكان أن يكون القرار الصدري بالإيعاز إلى انسحاب الجناح العسكري وترك المُتظاهرين السلميين في مُحيط البرلمان مُستمرين في اعتصامهم كورقة ضغط أحدثت هزّات سياسية في الوسط السياسي وأربكت المشهد، سبقتها خطوات مُستعجلة تضمّنت استقالة 73 نائبا من التيار الصدري من البرلمان العراقي كان بالإمكان أن يُفعّل دورهم قرار حلّ البرلمان بواسطة هؤلاء المُنسحبين.

 

 اللاعب الخارجي في إدارة خيوط اللُعبة العراقية لازال مُتحكماً بموقفه في الساحة العراقية التي يأبى أن يُغادرها لأنه يعتبرها الرئة التي يتنفس من خلالها

قرار مقتدى الصدر إلى الجميع بالانسحاب فتح الباب على مِصراعيه للشروع من نقطة البداية والعودة من حيث ابتدأوا بنظام المُحاصصة والفساد والتوافق، وهو ما قد يدعو إلى الادّعاء أن الصدر قد استنفد جميع أوراق الضغط وذخائره السياسية فماذا أبقى منها؟ هل هي التظاهرات أم المواجهة، أو حتى العصيان المدني، التي قد لا تُحدث نفس النتيجة والتأثير فيما لو تكرر المشهد  في الشارع لوصول المتظاهرين إلى حالة من الإحباط واليأس.

في عالم السياسة قد يُحسَب لكل خُطوة حِسابها، أما ذلك الخطأ ومهما بلغت بساطته قد يُفضي بصاحبه إلى أضرار عكسية لا تُحمد عُقباها.

ما تمخّض من تسريبات عن تعرض مقتدى الصدر لِضغوط خارجية من دولة مجاورة لِفض هذا الاشتباك خصوصاً بعد عَزل، وليس اعتزال، المرجع كاظم الحائري الذي يُقيم في مدينة قُم الإيرانية باعتباره المرجع الفقهي للصدر، ربما تُفضي إلى أن اللاعب الخارجي في إدارة خيوط اللُعبة العراقية لازال مُتحكماً بموقفه في الساحة العراقية التي يأبى أن يُغادرها لأنه يعتبرها الرئة التي يتنفس من خلالها، وليضع النّقاط على الحروف أن هناك مساعٍ لفرض إرادات خارجية بالقوة يُمكن أن تُبقي الوضع مأزوماً إلى حين انتصار الأقوى.

في ستين دقيقة انتهى مشهد سياسي مُتوتر في العراق من حيث بدأ، انسحب الجميع من ساحة المواجهة، المُتظاهرون والمُسلحون، ورفعوا خيامهم وتركوا تلك الساحات وحملوا أغراضهم وأمتعتهم عائدين إلى بيوتهم تاركين الشعب ينتظر ويسأل مُستغرباً.. ماذا سيحدث بعد ذلك؟ وإذا كانت النتائج معروفة سَلفاً فلِماذا كانت كل هذه التضحيات وذلك التوتر والعِناد وشدّ الأعصاب والساعات العصيبة التي عاشها العراقيون من حياتهم؟ لماذا حدثت هذه الهزّات إذا كانت النتائج معروفة سَلفاً ولم تُغيّر شيئاً؟ ولماذا يبقى الشعب دائماً هو الخاسر الوحيد والذي يدفع ثمن سياسات نظام فاشل؟

'