قمة المناخ.. اختبار سياسي داخلي وخارجي للنظام المصري – مصدر24

قمة المناخ.. اختبار سياسي داخلي وخارجي للنظام المصري

تأتي قمة المناخ المقبلة لتكون بمثابة اختبار للنظام المصري الذي يواجه تنديدات من منظمات حقوقية تنتقد سجلاته وتحاول توجيه الرأي العام نحو تجنب المشاركة في القمة وسط مخاوف السلطات المحلية من احتجاجات مرتقبة حاولت القاهرة استبقاها بالإفراج عن معتقلين سياسيين وعقد مؤتمر للحوار جمع كل الأطياف السياسية بهدف تهدئة الشارع والأصوات المعارضة.

 

القاهرة – ضاعف النظام المصري من جهوده لضمان نجاح قمة المناخ “كوب 27” في مدينة شرم الشيخ خلال الفترة الممتدة من السادس إلى الثامن عشر من نوفمبر المقبل، باعتبارها مناسبة هامة وتعكس الوجه السياسي والحضاري للقاهرة أمام العالم، والذي تبدي قوى عديدة منه اهتماما بالتغيرات المناخية والتطورات البيئية لا تخلو من مضامين سياسية.

 

وينصب جزء كبير من التركيز المصري على المكونات السياسية التي تكشف لأيّ مدى سيكون التجاوب مع القاهرة في هذه المناسبة بعد أن رمت رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة ليز تراس بحجر كبير في مياه مؤتمر شرم الشيخ، حيث نشرت وسائل إعلام بريطانية معلومات أشارت إلى أنها نصحت الملك تشارلز الثالث بعدم حضور مؤتمر الأطراف (كوب 27)، وهو ما ينطوي على تقدير غير إيجابي من قبل لندن.

ولم تعلق الحكومة المصرية على المعلومات التي أكدها لاحقا قصر باكنغهام، لكن مصادر في القاهرة قالت لـ”العرب” إن هناك هواجس من أن يؤثر عدم حضور الملك تشارلز على المؤتمر، فهو من المهتمين أصلا بالمناخ والبيئة وكان له إسهام ملموس في مؤتمر غلاسكو العام الماضي عندما كان وليا للعهد، وكان ينوي حضور مؤتمر شرم الشيخ.

 

نجاح مؤتمر المناخ يتوقف جزء مهم منه على مستوى التمثيل من الدول المشاركة فيه، فبعد الإعلان عن عدم حضور الملك تشارلز يمكن أن يتردد بعض القادة في الحضور

ومنذ الإعلان عن استضافة مصر لقمة المناخ بعد مؤتمر غلاسكو هناك أصوات تعالت من مجموعات حقوقية في العالم خوفا من التأثيرات السلبية على القمة لما يوصف بـ”القيود الصارمة المفروضة على مختلف أشكال حرية التعبير في مصر”.

 

وحذرت ما يعرف بـ”الحركة المناخية الدولية” المعنية بحالة الحريات وحقوق الإنسان من عدم توافر الأجواء المناسبة للمتظاهرين للتعبير عن مواقفهم وآرائهم أثناء مؤتمر شرم الشيخ بسبب ما يتردد حول احتمال فرض قيود شديدة على حركتهم.

وقررت الحكومة المصرية تخصيص أماكن مغلقة للمحتجين في هذه المناسبة على مسافة من مكان قمة المناخ في مدينة شرم الشيخ الواقعة على البحر الأحمر، في محاولة لتحجيم حركة المئات وربما الآلاف من المتظاهرين الأجانب، متجاوزة القوانين التي تمنع التظاهر في مصر، وهي إشارة على أن القاهرة استجابت لما تعرضت له من ضغوط في هذا الشأن وطبقتها بالطريقة التي تتناسب مع قواعدها الصارمة.

وتستعد أجهزة الأمن لفرض طوق أمني على شرم الشيخ، خاصة الأماكن القريبة من المؤتمر وتجمّع المتظاهرين، وتنوي الحكومة دفع العديد من السيارات العامة لنقل المحتجين وسط حراسة أمنية مشددة، لضمان خروج المؤتمر بسلام.

ودعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أبريل الماضي إلى عقد مؤتمر وطني للحوار الشامل بين قوى معارضة والحكومة لمناقشة الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما ربطه متابعون بقمة المناخ لأنه يوحي بانفراجة في مصر انتظرتها كثيرا قوى معارضة في الداخل.

وعقد مؤتمر الحوار الوطني ثمانية جلسات تحضيرية لمجلس الأمناء خلال الفترة الماضية وبانتظار تدشين جلسات حوارية مباشرة بين قوى وشخصيات متباينة.

ومنح النظام المصري دفعة سياسية مهمة لكلّ من مؤتمر المناخ والحوار الوطني عندما قام بتكليف لجنة العفو الرئاسية بدراسة حالات المعتقلين في السجون، والتي تمكنت من الإفراج على دفعات عن المئات من السجناء في قضايا رأي وحريات، عززت تصورات القاهرة في رغبتها القيام بإصلاحات سياسية.

 

النظام المصري اتخذ مجموعة كبيرة من الإجراءات في الشكل والمضمون كي يتمكن من عبور اختبار قمة المناخ
النظام المصري اتخذ مجموعة كبيرة من الإجراءات في الشكل والمضمون كي يتمكن من عبور اختبار قمة المناخ

 

ومن المرجح أن تتزايد أعداد المفرج عنهم قبيل انعقاد قمة المناخ كدلالة رمزية على أن النظام المصري لا يقف ضد الحريات، ويؤيد حقوق الإنسان التي وضع لها خطة شاملة بعنوان “الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان” أملا في تأكيد اهتمامه بهذا الملف وتسويق مفهومه الواسع لحقوق الإنسان وأنها تشمل المأكل والملبس والمسكن إلى جانب الحريات العامة من دون أن تقتصر على الأخيرة فقط.

واتخذ النظام المصري مجموعة كبيرة من الإجراءات في الشكل والمضمون كي يتمكن من عبور اختبار قمة “كوب 27″، والتي تتضافر فيها جوانب متعددة، وما يهم القاهرة أن تعبر بسلام الشق السياسي في المؤتمر، لأن الجوانب المناخية والبيئة لا تمثل ضررا كبيرا عليها ويمكنها التعاطي معها بوسائل إيجابية مناسبة حتى ولو حوت انتقادات في آلية التعامل مع المساحات الخضراء التي تعرضت للتقليص مؤخرا.

ومنحت السمعة السلبية لمصر في مجال الحريات منظمات دولية ووسائل إعلام عالمية فرصة للتشكيك فيما تتخذه من خطوات للإصلاح السياسي حتى الآن، وأسهمت الانطباعات المسبقة حول الأداء العام في مجال حقوق الإنسان في التعامل مع التصرفات المصرية بقدر كبير من الحذر والتريث انتظارا للتأكد من أنها أصيلة ولا ترتبط بانعقاد قمة المناخ على أرض مصرية.

الرهان لا يزال كبيرا على عدم توسيع الهوة بين القاهرة وقوى غربية في ملف الحريات وحقوق الإنسان

ويقول مراقبون إن المرحلة التالية للمؤتمر قد تكون أصعب من المؤتمر نفسه وما سبقه من إجراءات، لأن النتائج المترتبة عليه سوف تلعب دورا مهما في تحديد البوصلة حول آلية التعاطي مع النظام المصري ومدى ما أدخله من تغييرات في مفهوم الحريات العامة وحقوق الإنسان بما يتسق مع مفردات المنظومة السائدة في العالم.

وسيتزايد الاهتمام بما يجري من تطورات في مصر من هذا المنظور، ما يضع مؤتمر الحوار الوطني والقوى المشاركة فيه أمام مسؤولية مضاعفة تفرض عليه زيادة وتيرة لقاءاته والتوصل إلى مخرجات تشير إلى وجود تغيير حقيقي على المسرح السياسي.

ويضيف المراقبون أن نجاح مؤتمر المناخ يتوقف جزء مهم منه على مستوى التمثيل من الدول المشاركة فيه، فبعد الإعلان عن عدم حضور الملك تشارلز يمكن أن يتردد البعض من القادة خاصة من الدول الغربية في الحضور، لأن الإشارة التي حملها غيابه تنطوي على معاني تشير إلى أن رئيسية وزراء بريطانيا وقادة الدول القريبين منها وأولئك الذين يدورن في فلكها سوف يوفدون مسؤولين آخرين لتمثيل بلدانهم.

ومع أن المقدمات الراهنة تحمل داخلها مخاوف من عدم تحقيق قمة المناخ ما يصبو إليه النظام المصري من حوافز سياسية واقتصادية، فإن الرهان لا يزال كبيرا على عدم توسيع الهوة بين القاهرة وقوى غربية في ملف الحريات وحقوق الإنسان.

'