كثرة المشاكل تقوض ازدهار قطاع التمور في العراق – مصدر24

كثرة المشاكل تقوض ازدهار قطاع التمور في العراق

كربلاء (العراق) – يحدو شريحة من مزارعي النخيل في العراق طموح في أن يتمكنوا من الابتعاد تدريجيا عن المكبلات التي تعيق ازدهار إنتاج التمور بعد أن صارت مقلقة بشكل بالغ في السنوات الأخيرة.

وعلى أطراف الصحراء وسط البلد النفطي، تصطف الآلاف من النخلات الصغيرة على مد النظر، لهدف بات ذا أهميّة كبرى ألا وهو الحفاظ على هذه الشجرة التي تعدّ رمزا وطنيا وتطوير زراعتها التي تعود إلى قرون مضت وكانت في وقت من الأوقات مهدّدة.

وعلى الرغم من ضخامة المشروع الذي تديره وتموّله العتبة الحسينية، المؤسسة الدينية البارزة في مدينة كربلاء، إلّا أن التحدّي لا يزال كبيرا أمام العراق الذي كان يضمّ في الماضي 30 مليون نخلة وينتج أكثر من 600 نوع من التمور.

هادي الياسري: خلال عشر سنوات تم زرع أكثر من 17 مليون نخلة

 

وشكلت النزاعات المتكررة التي ألمت بالبلاد، لاسيما الحرب بين إيران والعراق في ثمانينات القرن الماضي، أبرز تهديد للنخيل. لكن التحديات البيئية والحاجة إلى إحداث نقلة نوعية في القطاع تفرضان نفسيهما اليوم.

 

ويمكن رؤية أشجار النخيل الصغيرة مزروعة على مسافات منتظمة قرب بعضها البعض عند أطراف كربلاء، على قطع أرض منفصلة ترويها برك مياه. ورغم أنها لا تزال فتية، تدلت منها أغصان مليئة بثمار تمر خضراء.

ويقول محمد علاء أبوالمعالي، مدير تسويق مزرعة فدك للنخيل، إن “نخلة التمر هي رمز وشموخ العراق”، ولذلك جاء المشروع الذي انطلق في العام 2016 والهادف إلى “إعادة زراعة النخيل إلى ما كانت عليه في السابق”.

ويضيف أن مزرعة النخيل هذه التي يديرها “تحتوي على أكثر من 90 صنفا من أجود أصناف النخيل أو التمور العراقية والعربية” من دول الخليج والمغرب العربي، مشيراً إلى أن “الأصناف العراقية التي تم جمعها هي من الأصناف النادرة والجيدة”.

ويشرح لوكالة الصحافة الفرنسية أنه من بين 30 ألف شجرة تم زرعها بدأت تثمر ستة آلاف شجرة، متوقعا أن “يبلغ الإنتاج هذا الموسم أكثر من 60 طنّا”.

 

ويجري ريّ هذه الأشجار بالتنقيط وتزوّد المياه من أحد فروع نهر الفرات وعشر آبار، خلافا لطريقة الري التقليدية التي تقضي بغمر التربة بالمياه، وذلك لأن العراق يواجه موجة من التصحر والجفاف.

 

ويوضح هذا المشروع التناقض الصارخ الذي تشهده البصرة الحدودية مع إيران والواقعة في أقصى جنوب العراق. فهناك تمتدّ على عشرات الكيلومترات الجذوع المقطوعة لما كان في الماضي شجرات نخيل، فيما سقطت الغصون الجافّة أرضا.

وتكمن المفارقة في أن المنطقة تقع على ضفاف شطّ العرب حيث يلتقي نهرا دجلة والفرات.

وخلال الحرب العراقية – الإيرانية قطعت بغداد النخيل من مساحات شاسعة لمنع تسلل العدو. وباتت قنوات الريّ دون فائدة، ولذا جرى وقف تدفقها أحياناً بجذوع الأشجار المقطوعة.

 

ويصف المهندس الزراعي علاء البدران المشهد بأنّه “مقبرة” للنخيل التي كان عددها ستة ملايين شجرة قبل النزاع، ولا تتجاوز أعدادها اليوم ثلاثة ملايين شجرة. ويتحدّث عن تحد آخر وهو “ارتفاع مستوى ملوحة مياه شطّ العرب”.

 

محصول ثمين
محصول ثمين

 

ويرى المزارع أحمد العوّاد أنّ حلّ هذه المشكلة هو إنشاء “منظومات تقطير وتحلية” للريّ، لكنها “قد تكون مكلفة كثيراً”. وكانت لعائلته في الماضي أرض تضم مئتي نخلة، فيما لا يتجاوز عددها الآن 50 شجرة.

في الأثناء ترى وزارة الزراعة أنها تفعل ما بوسعها لدعم زراعة النخيل وتوسعة مساحاتها. ويقول المتحدّث باسمها هادي الياسري إنه “خلال السنوات العشر الأخيرة، بدأنا من 11 مليونا ووصلنا إلى 17 مليون نخلة”. وأكد أن الوزارة اعتمدت برنامجا “هادفا يشجع على زراعة النخيل”.

وبدأ هذا المشروع في العام 2010، لكنّه توقّف في العام 2018 بسبب انقطاع الدعم المالي، متعهدا بأن تضمّ الموازنة المقبلة تخصيصا ماليا لإعادة العمل بالمبادرة.

ويرى الياسري أن العقبة الأساسية التي تؤثر على زراعة النخيل هي “التجاوز على البساتين وتحويلها إلى مناطق سكنية”، خصوصا في بغداد وكربلاء، داعياً “الجهات الحكومية المسؤولة إلى معالجة أزمة السكن من أجل إبعاد الناس عن التجاوز على المساحات الخضراء”.

120

مليون دولار عوائد البلد السنوية من تجارة التمور وفق تقديرات البنك الدولي

وفي مارس الماضي أعلن العراق أنه صدّر في العام الماضي نحو 600 ألف طنّ من التمر، والذي يعتبر ثاني أكبر منتج يسوقه البلد في الخارج بعد النفط.

وبحسب تقديرات البنك الدولي يدر قطاع التمور إيرادات سنوية للعراق تصل إلى حوالي 120 مليون دولار.

لكن البنك يرى أنه “في حين يزداد الطلب العالمي على التمر، ينبغي أن تتواصل المبادرات الجارية في العراق من أجل تحسين النوعية”، داعيا بغداد إلى تنويع الأصناف المنتجة.

وفي تقرير صدر قبل نحو عامين ذكر خبراء المؤسسة المالية المانحة أن “نحو نصف تمور العراق تصدر إلى الإمارات ليتمّ بعد ذلك تغليفها وتصديرها من جديد، بسعر أعلى”.

وفي شرق العراق قرب الحدود مع إيران، تظهر نتائج الحرب أيضا في قضاء بدرة في محافظة واسط جنوب بغداد، حيث تبدو جذوع بعض أشجار النخيل الشاهقة مقطوعة.

ويندّد المسؤولون المحليون بصعوبة التزوّد بالمياه منذ أكثر من عقد، مع اتهام إيران بتحويل مجرى نهر ميرزاباد المسمّى محليا نهر الكلّال. وينتقد أركان الشمري مدير زراعة محافظة واسط “سياسات الدول المجاورة وقطع المياه عن البلد”.

ويقول المزارع موسى محسن الذي يملك نحو 800 نخلة إن “تمرة بدرة يضرب بها المثل”. ويضيف “أرض بدرة كانت تتغذى سابقا بنهر الكلال الذي يأتي من إيران”، وأكد أن “المياه كانت فائضة، بدرة كانت مثل بحر”، لكن “اليوم لنسقي، نعتمد على الآبار”.

'