كورونا والتأزم الاقتصادي يضربان متاجر “وان دولار” في لبنان – مصدر24

كورونا والتأزم الاقتصادي يضربان متاجر “وان دولار” في لبنان

ألقت جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية في لبنان بظلال قاتمة على متاجر ”وان دولار” في لبنان، حيث اضطرت إلى غلق أبوابها بسبب التهاوي القياسي لليرة أمام الدولار، ما قوض قدرة التجار على استيراد البضائع بالعملة الصعبة في ظل تدني الدخل الفردي وارتفاع نسبة البطالة.

بيروت – تسبب الانهيار القياسي لقيمة الليرة اللبنانية في انهيار محال الـ”وان دولار” نظرا إلى عدم قدرة التجار على استيراد البضائع بالعملة الصعبة.

ووسط الشارع الرئيسي لمدينة النبطية يجلس الشاب الأربعيني شريف غادر على كرسي خشبي أمام متجره، ممضيا ساعات طوالا في مراقبة حركة المواطنين ذهابا وإيابا، آملا في أن يحظى باهتمام زبون يستطلع محتويات المتجر المخصص لبيع السلع بدولار واحد والمنتشرة في الكثير من مدن وقرى جنوب لبنان تحت اسم “وان دولار”.

يقول شريف غادر بعد أن نفث إلى الأعلى دخان نرجيلته تعبيرا عن يأسه وانزعاجه من تردي الوضع الأقتصادي المزري، “لم يعد بمقدور أحد تحمل هذا الضغط النفسي والحياتي الخانق والصعب فقد وصلنا إلى حد الانهيار”.

ونسبت وكالة شينخوا لشريف قوله “منذ عدة سنوات عملت كما الكثيرين للاستثمار بتجارة الوان دولار، يوم كان الدولار الأميركي يساوي 1515 ليرة لبنانية وتفاءلنا خيرا بمردود ممتاز في تلك الفترة”.

وأشار إلى أن الزبائن كانوا يتهافتون بكثرة على هذه المحال بعدما وجدوا فيها ملجأ رخيصا للتوفير في شراء مختلف أنواع حاجياتهم، بحيث كانوا يبتاعون كل سلعة مهما كانت بـ1515 ليرة لبنانية.

وقال بينما كان يشير بأصبعه الراجفة إلى رفوف محله التي تكدست فوقها الكثير من الأصناف والتي تشي بكساد السوق “لم نكن نتوقع مثل هذا الزلزال المدمر الذي ضربنا، فارتفاع الدولار الأميركي الجنوني مقابل الليرة اللبنانية قضى على الكثير من هذه المحال وما بقي منها يحاول الصمود على أمل تحسن الأوضاع بعد تشكيل حكومة جديدة في لبنان”.

ويواجه لبنان منذ أغسطس الماضي شغورا حكوميا وأزمات سياسية واقتصادية ومالية تشابكت مع المعيشية والصحية فأدت إلى تفاقم الفقر والبطالة والتضخم المالي وانهيار العملة وسط تراجع متسارع في احتياطي النقد الأجنبي منذ أكتوبر 2019.

من جهته قال التاجر سالم العبدالله الذي كان يدير مجموعة من محال “وان دولار” في عدة قرى محاذية لمدينة النبطية، إن هذه المحال عاشت عصرا ذهبيا على مدى السنوات العشر الماضية.

وأضاف “ضرب تفشي كورونا وانهيار العملة اللبنانية أمام الدولار الأميركي والبطالة وما شابه من هذه المآسي، هذا القطاع التجاري الملقب بأم الفقير”.

57

في المئة من متاجر الـ”وان دولار” في لبنان أغلقت بسبب انهيار الليرة أمام الدولار

وأكد مسؤول قسم المراقبة في مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد بمحافظة النبطية حسن سبليني أن ظاهرة متاجر “وان دولار” وصلت إلى حد الأفول في أسواق جنوب لبنان.

وأشار سبليني إلى أن آخر إحصاء في الجنوب يشير إلى تعثر أو إقفال حوالي 57 في المئة من هذه المحال.

واعتبر سبليني أن ارتفاع الدولار الأميركي الجنوني وعدم قدرة التجار على استيراد البضائع بالعملة الصعبة وتدني الدخل الفردي والبطالة قد أثرت كلها سلبا على متاجر “وان دولار” وعلى القطاع التجاري بشكل عام في لبنان.

من جهته قال التاجر سهيل حمدان الذي يجاهد من أجل عدم إقفال محله في بلدة كفرتبنيت في الجنوب اللبناني “قبل سنوات عدة عمت محلات وان دولار مناطق الجنوب، ودفع الإقبال المتزايد عليها بأصحابها إلى تكثيف وتنويع محتوياتها، فباتت تستهوي المتسوقين من مختلف الأعمار”.

وأضاف “لقد انقلب الحال بتجارتنا بعد الانهيار الاقتصادي والمالي والضائقة المعيشية في ظل تفشي كورونا، ما دفع بالكثيرين إلى الإقفال في حين لا يزال البعض يصارع بعناد في سبيل البقاء ولو بالبيع دون أرباح”.

وأشارت مدرسة مادة الاقتصاد في معهد النبطية الفني فاطمة محيو إلى أن تداعيات الأزمة الاقتصادية وكارثة انفجار مرفأ بيروت وتفشي فايروس كورونا فرضت كلها على اللبنانيين نمطا جديدا في طريقة عيشهم.

وأضافت “تخلى اللبنانيون عن الكثير من عاداتهم التي عرفوها في الماضي القريب، وأُجبروا على الاكتفاء بالضروريات كي يتمكنوا من العيش مع ازدياد إقفال المؤسسات وارتفاع نسبة البطالة”.

وقالت إن “تعثر متاجر وان دولار جاء في سياق التدهور الاقتصادي الذي ضرب كافة المصالح في لبنان، جعل من المستحيل أن تصمد هذه المحال في ظل ارتفاع الدولار مع الفقر الذي طال مختلف شرائح المجتمع اللبناني”.

وأشار نادر فواز إلى أنه “أقفل متجره وجمع محتوياته في منزله في بلدة الخيام بشرق جنوب لبنان تمهيدا لعرضها في الأسواق الشعبية المنتشرة في العديد من مناطق جنوب لبنان، في محاولة لتصريف ما أمكن من بضاعة وبأسعار الكلفة تقريبا”.

وأكد عضو جمعية صغار التجار بشرق جنوب لبنان نضال عيسى أن “القطاعات الصناعية والتجارية المرتبطة بالدولار الأميركي يستحيل أن تصمد في وجه ما هو حاصل من انهيار للعملة اللبنانية”.

وأضاف ليس من المستغرب انهيار قطاع تجارة الـ”وان دولار” بالإضافة إلى الكثير من القطاعات التجارية بعدما أصبح أكثر من نصف سكان لبنان فقراء بحلول العام 2021 في حين أن معدلات التضخم تجاوزت نسبة 100 في المئة.

وقال عيسى إن “آخر تقرير أعده البنك الدولي أشار إلى أن نسبة الفقر المدقع في لبنان عام 2021 أصبحت 23.2 في المئة بعدما كانت 1.8 في المئة، ولدى الطبقة الفقيرة كانت 19.8 في المئة فارتفعت إلى 32 في المئة حاليا”.

ويواجه لبنان أزمات اقتصادية ومالية ومعيشية متشابكة أدت إلى ارتفاع معدل الفقر إلى أكثر من 50 في المئة وإلى تفاقم البطالة والتضخم المالي وانهيار العملة المحلية والقدرة الشرائية وسط تراجع متسارع في احتياطي النقد الأجنبي منذ أكتوبر 2019 مع تجميد البنوك للسحوبات النقدية بالدولار الأميركي وتقييدها بالعملة المحلية.

'