كورونا والشتاء القارس يطبقان على رزق رعاة الأغنام في المغرب – مصدر24

كورونا والشتاء القارس يطبقان على رزق رعاة الأغنام في المغرب

يتراجع الإقبال على مهنة رعي الأغنام في المغرب من قبل الشباب. ويبدو أن من تبقى من هؤلاء الرعاة سيتخلون عن مهنتهم بسبب العراقيل التي تواجههم والتي من بيتها قسوة المناخ وانتشار وباء كورونا الذي ساهم في غلاء الأعلاف وتراجع مبيعات المواشي.

الرباط ـ بعد أن استعدّ للقاء مصدر رزقه الأسبوعي، عاد راعي الأغنام محمد ولد عمر الغزالي من السوق بمدينة بوعرفة، جنوب شرقي المغرب، خالي الوفاض.
في ظل كساد الأسواق، لم يعد يتمكن راعي الأغنام المغربي من بيع خرافه لتعينه على تحمل مشاق الحياة وشراء العلف لباقي قطيعه الذي يحيا معه حياة الترحال في فيافي الهضاب العليا بالجنوب الشرقي للمغرب.
حال الغزالي لا يختلف عن باقي رعاة الأغنام الذين يتجرعون يوميا مرارة كساد وبوار إنتاجهم، بفعل توالي سنوات الجفاف وقساوة المناخ و تفشي فايروس كورونا الذي أثر على الرعاة الرحل، فمنع تنقلهم من مكان إلى آخر في كل فترات الحجر الصحي حيث الكلأ والمرعى.

وتنصح السلطات في هذه المرحلة الحرجة أن يظل الرحل، الذين يتوفرون على الكلأ، في أماكنهم، ومن لا يتوفر على ذلك يمكنه الحصول على شهادة وفق شروط معينة.

وبدأت أزمة الرعاة مع موسم بيع الأغنام خلال عيد الأضحى الماضي حيث لم تصل المبيعات إلى المستوى المأمول، بالإضافة إلى أن المناسبات الأخرى كالزواج والختان شهدت أيضا تراجعا في رواج تجارة الأغنام.
على مسافة 30 كيلومترا نحو الجنوب من قرية تندرارة (جنوب شرق)، تجنح المركبات يمينا في طرق وعرة ليرى مستقلوها على بعد 10 كيلومترات، خيمة نصبها الغزالي بجوار حقول ترعى فيها قطعان أغنامه.
ورث الغزالي حياة الصحراء والخيام عن أجداده، لكن قساوتها لم تعد تغري نجله البكر الذي يتحين الفرصة لنفضها عن عباءته بحثا عن حياة مختلفة، بعد أن تحولت حياة الرعي والترحال إلى عبء ثقيل على كاهل أصحابه.
قال رشيد عياط، ناشط حقوقي مغربي مهتم بحياة الرعي والترحال، إن “أكثر ما يؤرق مجتمع الرحل إلى جانب الأزمة الاقتصادية، هو المناخ البارد والجاف الذي تعرفه المنطقة”، علما وأن جيل الشباب قد عزف عن هذه المهنة في زمن الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة، فأصبحوا يبحثون عن حياة أكثر استقرارا.

قلة المرعى وغلاء الأعلاف

قلة المرعى وغلاء الأعلاف

وأضاف عياط، أن المنطقة ترتفع عن سطح البحر بحوالي 1500 متر، ما يجعل منها واحدة من المناطق الأشد برودة في المغرب، ما ينعكس سلبا على نمط حياة العاملين في هذه المهنة.
وتابع، أن الأزمة الاقتصادية التي عمقتها تفشي جائحة كورونا خلال أكثر من عام، ضاعفت معاناة رعاة الأغنام وباتت تدفعهم إلى البحث عن بدائل.
لعل من أهم التحديات التي أثرت على نشاط الكسب وتربية الأغنام وحياة الترحال بمحافظة فجيج وبوعرفة، هو توالي سنوات الجفاف التي أدّت إلى تراجع مساحات المراعي التي يعتمد عليها الرحل، والتي تشكل نحو 70 في المئة من مساحة شرقي المغرب.
ووفق أرقام وزارة الفلاحة المغربية، فإن معدل التساقط التراكمي للأمطار شرقي البلاد شهد تراجعا خلال شهر ديسمبر الماضي بنسبة 40 في المئة مقارنة مع الشهر نفسه من عام 2019.

وعادة ما يعني الجفاف بالنسبة إلى الرعاة زيادة في مصاريف الأعلاف المقدمة للقطعان والتي يبلغ سعرها نحو 350 درهما (حوالي 40 دولارا) للقنطار من الشعير، وهو ما يضاعف من معاناتهم ويقضي على آمالهم في الحفاظ على النشاط.
وقال الغزالي إن سلطات بلاده تنفض يدها عن تقديم الدعم إلى مربي الأغنام، ما يضطر معظمهم إلى بيع جزء من القطيع لضمان توفير تكلفة الأعلاف باهظة الثمن.

وأضاف أن تفشي جائحة كورونا قضت على ما تبقى لنا من آمال في تعويض الخسائر، إذ أصبح بيع الأغنام في الأسواق بعد إعادة فتحها أشبه بالحلم.
وبحسب الغزالي، فقد “تراجع ثمن الشاه إلى ما دون ثمن كيس الشعير، إذ بات سعرها لا يتجاوز 200 درهم (حوالي 23 دولارا) بعد أن كان 1300 درهم (حوالي 150 دولارا)”.
وتابع قائلا، “الوضع وصل إلى حدّ لا يطاق، والرعاة الصغار فقدوا قطعانهم لسداد القروض المتراكمة”.

توالي سنوات الجفاف أدى إلى تراجع مساحات المراعي التي يعتمد عليها الرحّل وزاد الوباء من عراقيل تربية الأغنام

وقال حميد غزيرو، الذي يمتهن الرعي وتربية الماشية، إن “من بين المشاكل التي ينبغي التغلب عليها في هذه المرحلة قلة الأعلاف، ولاسيما أن أغلب السكان يعتمدون على تربية الماشية لكسب معيشهم اليومي، ولكون قساوة الطقس في فصل الشتاء تحول دون توفير العلف للماشية”.

وقال محمد الخريصي، وهو مربي أغنام إن “عدم تسويق المربين لمنتوجهم، كان له أثر على توفير العلف، فأمام التكاليف المتنوعة التي يتحملها المربون، أثقلت كاهلهم عملية العلف التي أضيفت إلى أعبائهم المتراكمة”.

وأوضح الخريصي، أن هناك معاناة غير مباشرة على المربين، تتعلق بالتسويق اليومي للأغنام، والذي تأثر بفعل تراجع القدرة الشرائية للمواطن، بسبب تداعيات الجائحة، خاصة وأن الآلاف من العاملين في القطاع غير المنظم فقدوا أو توقفوا عن ممارسة أعمالهم.

ووفق المربي المغربي،إن ما زاد الطينة بلة، هو عدم عودة المغاربة المقيمين بالخارج بكثافة إلى أرض الوطن، والذي كان له أثر كبير أيضا على تسويق الأغنام في العيد والصيف، ويؤكد أن ذلك أدّى إلى تراجع في أسعار الأغنام بحوالي 50 في المئة.

وبالإضافة إلى أزمة الجفاف وتداعيات جائحة كورونا وارتفاع أسعار الأعلاف وتراجع أسعار الماشية، يلتحق عامل سلالة الأغنام بتراكمات معاناة الرحالة ورعاة الماشية بالمغرب.
لقد اشتكى عدة رعاة في فيافي الهضاب العليا، من التمييز بين سلالتين من الأغنام، إحداها محلية تدعى “الردي” أو “الدغمة” لونها يميل إلى البني ولا تتجاوز نسبة من يرعاها سوى 10 في المئة من مجموع القطيع، وعادة ما تحصل على دعم السلطات المحلية.
أما السلالة الأخرى فتدعى “البيضاء”، ورغم أنها لدى أغلب الرعاة نظرا إلى غزارة إنتاجها وتأقلمها مع طبيعة المناخ، لكنها لا تحظى بدعم السلطات المغربية، وعادة ما تحرم من البيع في الأسواق الكبرى بالبلاد.

'