وكان منتسبو حرس المشآت النفطية في غرب ليبيا، قد أمهلوا السلطات 10 أيام لتنفيذ مطالبهم التي تشمل زيادة الرواتب بنسبة تصل إلى 67 بالمئة، في استمرار لوقائع مماثلة تقريباً عادة ما تخضع فيها حقول النفط بالبلاد كهدف دائم للمحتجين -لأسباب مختلفة- من أجل إجبار الحكومة على الاستجابة إلى مطالبهم.

ويسعى المحتجون بشكل دائم إلى الضغط من خلال التهديد بإغلاق الحقول.

وقد كان آخر تلك الوقائع في مطلع العام الجاري، عندما أغلق محتجون بالفعل منطقة فزان في الجنوب حقل الشرارة، الأمر الذي دفع بالمؤسسة الوطنية للنفط إلى إعلان حالة القوة القاهرة في الحقل الذي أعيد فتحه بعد بضعة أيام.

هذا “العرض المستمر” يضع إنتاج النفط الليبي تحت وطأة تهديدات متواصلة وضغوطات تهدد ديمومة تزويد السوق العالمية بنفط ليبيا، طبقاً لتعبير وزارة النفط والغاز في بيان سابق لها، نبهت فيه إلى عواقب إغلاق المنشآت النفطية، وقالت إنها “كانت جد جسيمة على ليبيا، وقد يصعب حصر وبيان كل الأضرار والأخطار التي قد تسببها إغلاقات لبعض الحقول النفطية وذلك لكثرتها وتنوع أشكالها”.

ووفق بيان سابق للوزارة، فإن “عمليات إيقاف الإنتاج ثم إعادة فتحها من جديد، وما يتطلبه من عمليات صيانة ومعالجة المشاكل الفنية لمعدات وآليات استخراج النفط وإنتاجه وتكريره، كل هذا يتطلب جهدا عريضا ووقتا طويلا وتكلفة عالية تتحملها خزانة الدولة الليبية”.

إلى أي متى يُمكن أن تستمر تلك المعضلة؟ وكيف يُمكن إيجاد حل حاسم لها ضماناً لاستقرار إنتاج النفط الليبي والوصول به إلى المعدلات المستهدفة بحلول مليوني برميل في أفق 2030؟

الأجور

الاقتصادي الليبي، علي الصلح، أوضح في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن:

  • أسباب الغلق الأخير هو عدم حصول حرس المنشآت على أجورهم في حينها، مضيفاً أنه قد تكون هناك أسباب أخرى تتعلق بالتشغيل أو سياسية تتعلق بالأوضاع العامة تُحرك مثل تلك الإضرابات التي تشهدها الحقول.
  • استمرار عدم استقرار تدفق النفط يودي الى تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وضعف الاستدامة المالية.
  • النفط سلعة استراتيجية ويتعين تنميتها بشكل كبير لخلق مناخ ملائم للاستثمار بها.
  • الاقتصاد الليبي يرتكز على تمويل الموازنة العامة للدولة من النفط، ولذلك فإن التأثير مباشر على مستوى المعيشة وقدرة الدولة على مواجهة التحديات المالية.

في العام الماضي، وبينما كان الهدف هو الوصول إلى 1.3 مليون برميل يومياً، بلغ إنتاج ليبيا من النفط نحو 432 مليون برميل، في حدود 1.2 مليون برميل يومياً تقريباً.

وتشير بيانات مصرف ليبيا المركزي، إلى أن إيرادات البلاد من النفط بلغت 99.1 مليار دينار ليبي (20.69 مليار دولار) في 2023 مقارنة مع 105.4 مليار دينار في 2022.

ظاهرة متكررة

وإلى ذلك، أفاد مدير مركز الأمة الليبي للدراسات الاستراتيجية، محمد الأسمر، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بأن:

  • النفط في ليبيا عاد إلى ظاهرة الإغلاق إذا ما لاحظنا التتابع والتوالي في عملية إغلاق الحقول والموانئ النفطية، خلال النصف الأخير من 2023، وهناك الإغلاق الحادث في منتصف يوليو 2023، وإغلاق حقل الشرارة في ليبيا الشهر الماضي والذي ينتج ثلث الإنتاج الليبي من النفط، بحوالي 315 ألف برميل في اليوم.
  • تعيش ليبيا حالة خاصة من إغلاق حقول وموانئ النفط، وكان هناك إقفال منذ الثلاثاء في كل من ميناء منطقة زوارة، ومصفاة الزاوية، وهذا الإغلاق الذي شمل كل مناطق جنوب غرب ليبيا، انطلاقا من البيان الذي تم إعلانه من حرس المنشآت النفطية بمنطقة شمال حمد.
  • بطبيعة الحال هذه الإغلاقات المتوالية جعلت الطموح في الحديث عن رفع الإنتاج ليتجاوز سقف المليون و200 ألف برميل في اليوم، لم يتحقق حتى الآن، لأن الإغلاقات مستمرة على التوالي نتيجة لاستمرار المطالبات والدواعي التي جعلت من حالة الإغلاق قائمة.
  • المفارقة أن منتسبي حرس المنشآت النفطية كانوا ينصحون المحتجون الذين أغلقوا حقل الشرارة الشهر الماضي بإيقاف عملية الغلق وإعاة الفتح لتحقيق المصلحة العامة، وفي الإغلاقات الحالية حرس المنشآت النفطية هم من يقومون بالإغلاق!
  • سبب تلك الأزمات أن الحكومة تعد ولا تنفذ، ما جعل الآخرين يعتبرونها وعوداً زائفة، على رأسها المرتبات والتأمين الصحي واستحقاقات قائمة، وإن كانت الحكومة بالأمس أصدرت قرارًا بتسوية مرتباتهم مع بقية منتسبي القوات المسلحة للجيش الليبي، إلا أن المطالبات ما زالت قائمة في جزئيات أخرى.

وعن كيفية وضع حلول ناجعة وحاسمة لتلك الظاهرة، أوضح الأسمر أن ذلك فقط يتم من خلال تعامل الحكومة بشفافية وصدق مع هذه المطالب فيما يتعلق بمطالب حرس المنشآت النفطية، كاستحقاقات وظيفية ومعيشية ومطالب هذه المناطق الذين قاموا بحمايتها في فترة طويلة من الإرهاب والجماعات الراديكالية المسلحة، ومن مختلف العصابات التي كانت تريد نهب هذه الثروات، وتم وعدهم من خلال مصرفي النفط والشركات العاملة معها بتنفيذ بعض عمليات التنمية وتمكين أبنائهم من العمل ومباشرة أعمالهم.

واختتم مدير مركز الأمة الليبي للدراسات الاستراتيجية حديثه بالإشارة إلى أن الاقتصاد الليبي مبني على النفط، فعرقلة حركة النفط تصبح عائقًا لحالة الاستقرار الاقتصادي.

أسباب سياسية

وإلى ذلك، يشدد رئيس مجموعة العمل الوطني في ليبيا، خالد الترجمان، على أن ثمة أسباب سياسية، ترتبط بالرغبة في التخلص من حكومة عبدالحميد لدبيبة والذهاب لحكومة واحدة والتي قد تقود البلاد للانتخابات، خاصةً مع اتهام الحكومة بعدم المقدرة على إنجاز ما تعد به.

وتابع الترجمان، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: إن مسألة تهديد حرس المنشآت النفطية كانت للمطالبة بصرف مستحقاتهم التي تعهدت بها حكومة الدبيبة ورفعها، وتعهدها بتقديم تأمينات طبية ومكافآت ضد الخطر.

ويوضح أن الأمر يعتبر خطة طويلة حدثت بين حرس المنشآت والموانئ النفطية في غرب البلاد، ولكن الحكومة لم تفِ بأي من هذه الالتزامات.

كما أشار إلى غلق حقل الشرارة قبل أسابيع، بعد أن تبنى المحتجون أسباب مرتبطة بالإنتاج والوظائف والمشكلات البيئية.

وعن المخاطر الاقتصادية التي تقع على ليبيا عقب إغلاق حقول الغاز، قال خالد الترجمان، إن الأمر ينعكس بصورة سيئة، فالبلاد الآن مقبلة على شهر رمضان ولليبيين طقوس خاصةً في استقبال الشهر المعظم، لافتًا بأن إغلاق حقول الغاز سببت ربكة في السوق خاصةً سوق العملات، فالدولار تجاوز سقف 7 دينارات ومتوقع ارتفاعه أكثر من ذلك في مقابل العملات الأجنبية، وبما له من تأثير انعكاس سلبي على الاقتصاد.