ويتفق العلماء على أن اتخاذ إجراءات جماعية للحد من إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أمر بالغ الأهمية لوضع حد لظاهرة “الاحتباس الحراري” وتدارك الكارثة التي قد تنتج عنها.

وهذا ما دفع العديد من الدول والشركات والمؤسسات إلى العمل على تحويل استثماراتهم إلى مصادر الطاقة المتجددة، والبحث في كيفية تغيير أنماط عمليات التصنيع والإنتاج، بما يتماشى مع تحقيق هدف الوصول إلى “صفر انبعاثات كربونية”.

ويعتبر ثاني أكسيد الكربون من أهم الغازات الدفيئة المنبعثة من الأنشطة والعمليات الصناعية، حيث أدت زيادة الأنشطة البشرية في قطاعات الصناعة والنقل وإنتاج الطاقة، منذ منتصف القرن التاسع عشر، وما نتج عنها من الاعتماد على حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز، إلى زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ما أدى إلى ارتفاع حرارة كوكب الأرض، واختلال التوازن في أنماط الطقس.

أول منتج محايد كربونياً لآبل

عند الحديث عن تقليل مستويات ثاني أكسيد الكربون، تبرز شركة آبل الأميركية كواحدة من أكثر شركات التكنولوجيا صداقة للبيئة، إذ تعمل ومنذ عام 2020 بجهد للوصول إلى هدف “صفر انبعاثات كربونية”، عبر كامل أعمالها، وسلسلتها التصنيعية، ودورة حياة منتجاتها بحلول عام 2030.

ورغم أن خريطة الطريق التي وضعتها آبل، تهدف إلى جعل كامل عملياتها بلا أثر كربوني في عام 2030، إلا أنها تمكنت في الربع الأخير من عام 2023 وبخطوة بيئية متقدمة جداً، من طرح أولى منتجاتها المحايدة كربونياً، ونتحدث هنا عن التشكيلة الجديدة من Apple Watch التي تم إطلاقها هذا العام.

وتأتي أولى منتجات آبل المحايدة كربونيا لتشمل كل طرازات Apple Watch التي تم إطلاقها في 2023، والتي تشمل ساعات S9 وSE و Ultra 2، المعايير البيئية الصارمة لناحية خفض انبعاثات “كربون المنتجات” بنسبة 75 بالمئة، في حين ستلجأ الشركة إلى حلول مبتكرة لإزالة نسبة الـ 25 في المئة المتبقية من أثر الكربون.

ويقول المحلل والكاتب المختص بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ألان القارح، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه في الوقت الذي يمر فيه العالم بظروف استثنائية، نظراً للمخاطر الناتجة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض، بدأت شركة آبل التحرك بشكل عاجل من أجل خفض انبعاثات “كربون المنتجات”، التي تصدر خلال عملية التصنيع، وذلك عبر معالجة أكبر ثلاثة مصادر لها وهي الكهرباء المستخدمة في تصنيع الأجهزة، والمواد الأولية للتصنيع، إضافة الى عملية نقل هذه المنتجات إلى الأسواق.

وأشار إلى هذا الأسلوب مكّن آبل من خفض كمية الانبعاثات الكربونية، الناتجة عن عملية تصنيع ساعة يد واحدة من 36.7 كلغ سابقاً إلى 8.1 كلغ حالياً، وهذا ما جعل من تشكيلة ساعات Apple Watch لعام 2023 منتجات محايدة كربونياً وصديقة للبيئة.

طاقة نظيفة وخيوط شباك الصيد

ويشرح القارح أن الكهرباء المستخدمة في عملية تصنيع ساعات Apple Watch، تعد أكبر مصدر للانبعاثات الكربونية الصادرة عن هذا المنتج، ولمعالجة هذه المشكلة، التزمت آبل بالاستثمار في مشاريع واسعة النطاق للطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، لتصبح جميع خطوط إنتاج الجيل الجديد من ساعات Apple Watch مدعومة بالطاقة النظيفة بنسبة 100 بالمئة.

ولمواصلة الجهود في تقليل الأثر البيئي لساعاتها، توقفت آبل عن استخدام الجلود، واستبدلتها بنسيج قطني محبوك، يشبه الجلد المدبوغ ومصنوع بنسبة 68 بالمئة من المحتوى المعاد تدويره بعد الاستهلاك، لافتاً إلى أن إحدى الأحزمة المستخدمة في ساعات آبل الجديدة، تم صنعها من خيوط شباك الصيد، التي يتم التخلص منها من قبل الصيادين، فيما تم تصنيع عبوة الساعة من ألياف خشبية مُعاد تدويرها بنسبة 100 بالمئة.

وبحسب القارح فإن الكثير من المواد الأولية المستخدمة في عملية صنع ساعات آبل الجديدة، تشمل مواد معاد تصنيعها، فمثلاً الكوبالت المستخدم في بطارية الساعة، تم تدويره بنسبة 100 بالمئة، لافتاً إلى أن آبل عالجت أيضاً مشكلة الانبعاثات الكربونية، الصادرة عن عملية نقل ساعاتها الجديدة إلى أسواق العالم، فالتزمت بنقل 50 بالمئة من إنتاج هذه الساعات، عبر وسائل الشحن الأقل توليداً للكربون مثل الشحن بالبحر، حيث تُظهر الدراسات أن شحن المنتجات نفسها عبر السفن في المحيطات، يؤدي إلى انبعاثات أقل بنسبة 95 بالمئة مقارنة بشحنها جواً عبر الطائرات.

بدوره أثنى أخصائي شؤون التكنولوجيا والتسويق جورج داغر، على الدور الذي تقوم به آبل في مجال المحافظة على البيئة، خصوصاً أن الشركة وبهدف جعل منتجها “محايداً للكربون”، غيّرت المفهوم التقليدي لعمليات صنع المنتجات، بما يشمل مرحلة التصنيع والتعبئة والشحن، وهذا الأمر ليس بالقرار السهل، بل يحتاج لفريق عمل متكامل يضمن عدم حدوث أي خطأ، كوننا نتحدث عن منتج له شعبية كبيرة في الأسواق، فـ Apple Watch هي أكثر الساعات الذكية مبيعاً في العالم، ولذلك فإن خطوة آبل كان لها وقع كبير على الأسواق، وعلى الشركات المنافسة، معتبراً أنه في الوقت الذي تزداد فيه الظواهر الجوية المتطرفة، كالأعاصير وموجات الجفاف والفيضانات، وغير ذلك من المخاطر المحيطة بالمناخ العالمي، نرى أن آبل تبنّت نهجاً صارماً لمحاولة إنقاذ الكوكب.  
ولفت داغر إلى أن هناك 8.1 كلغ من الانبعاثات الكربونية، التي لم تتمكن آبل من تخفيفها خلال عملية تصنيع ساعتها الجديدة، وللتعويض عن ذلك قررت الاستثمار في “أرصدة كربون” عالية الجودة، تعمل على استعادة الأراضي العشبية والأراضي الرطبة والغابات، مشيراً إلى أن “أرصدة الكربون” هي مجموعة أنشطة، من شأنها المساعدة على تقليل انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي، مثل زراعة الأشجار واستصلاح الأراضي، حيث تعكف عشرات الشركات والمنظمات غير الربحية، على تطوير مثل هذه المشاريع، لتعمد الشركات التي تعجز عن تخفيف الانبعاثات في أعمالها، على شراء هذه الأرصدة الكربونية من هذه الشركات لتمويل مشاريعها.

معضلة البصمة الكربونية لآيفون
وبحسب داغر فإن آبل ومن خلال طرحها لأولى منتجاتها المحايدة كربونياً، باتت على الطريق الصحيح لتحقيق وعدها البيئي، الهادف إلى جعل كامل عملياتها بلا أثر كربوني في عام 2030، ولكن الجهاز الذي سيحدد فعلاً نجاحها في هذا المسار، هو منتجها الرئيسي المتمثل بهاتف آيفون>

ورغم أن الشركة قلصت البصمة الكربونية لآيفون 15 برو بنسبة 30 بالمئة تقريباً، مقارنة بخط الأساس الذي حددته من خلال الاعتماد على المواد المعاد تدويرها، مثل رقائق النحاس في الشاحن والذهب في موصل USB-C إلى الكوبالت في بطاريته، إلا أنه على آبل بذل جهود أكبر، لجعل عملية تصنيع هاتفها الشهير أكثر مراعاة للبيئة، في وقت يرى فيه الخبراء أن التخلص من البصمة الكربونية لجهاز آيفون هو أمر مستعصي.