كيف نجت أسواق المال من سيناريو أزمة مالية في 2020 – مصدر24

كيف نجت أسواق المال من سيناريو أزمة مالية في 2020

لم تكن أسواق المال التي انهارت بوتيرة قياسية خلال العام 2020 تتوقع نهاية لهبوطها، غير أن القفزات التي حققتها معظم البورصات العالمية مطلع العام الجاري طرحت تساؤلات حول خاصيات الأزمة الاقتصادية التي أحدثها الوباء في العالم مقارنة بالأزمة المالية العالمية في 2008.

باريس – تمكنت أسواق المال من النجاة من مخاطر الهبوط القياسي خلال العام الماضي بفضل إجراءات مالية ونقدية قوية اتخذتها الحكومات والبنوك المركزية في العالم، فيما يشير خبراء إلى أن ارتباط الأزمة بركود الاقتصاد كان العلامة الفارقة بين أزمة الوباء والأزمة المالية العالمية خلال العقد الماضي.

سجّل شهر مارس 2020 انهيارا تاريخيا للأسواق المالية العالمية، فيما شهد مارس 2021 كسر أرقام قياسية في بورصتي وول ستريت وفرانكفورت. خلال عام، انتقلت البورصات العالمية من الانهيار إلى الازدهار في سرعة تثير قلق بعض المراقبين.

وفي 12 مارس 2020، غداة إعلان منظمة الصحة العالمية رسميا فايروس كورونا وباء عالميا، كان يوم خميس أسود بالنسبة إلى أسواق المال حيث سُجّل تراجع غير مسبوق في بورصات باريس بنسبة 12 في المئة ومدريد بـ14 في المئة وميلانو بـ17 في المئة وكذلك في بورصتي لندن بنسبة 11 في المئة ونيويورك بـ10 في المئة، في سابقة منذ انهيار أسواق المال في أكتوبر 1987.

إيبيك أوزكارديسكايا: كانت السوق تتراجع بوتيرة جعلتنا نظن أنه لن يكون هناك قعر

وبقيت الأسواق تعاني في الأيام التالية. وفي 16 مارس، تراجعت المؤشرات الأميركية بنسبة تفوق 12 في المئة.

وقالت المحللة في مجموعة “سويسكوت بنك” إيبيك أوزكارديسكايا، “لقد كان الأمر حقا جنونيا، كانت السوق تتراجع بوتيرة جعلتنا نظنّ أنه لن يكون هناك قعر”.

وبعد عام، استعاد عدد كبير من المؤشرات نفسها مستويات ما قبل أزمة الوباء، وحتى تجاوزتها.

وسجّل مؤشر ناسداك الأميركي، لأسهم شركات التكنولوجيا، اعتبارا من يونيو الماضي قفزة. فبين أدنى مستوى له في 23 مارس 2020 وآخر رقم قياسي سجّله في 12 فبراير 2021، ارتفع المؤشر بنسبة 105 في المئة.

وسجّلت بعض الشركات ارتفاعا حادا عام 2020 مثل الشركة المصنعة للسيارات الكهربائية “تيسلا” (+743 في المئة) وتطبيق “زوم” (+396 في المئة) وشركة “موديرنا” للتكنولوجيا الحيوية (+434 في المئة).

وكسر مؤشر “داكس 30” في فرانكفورت أرقامه القياسية واحدا تلو الآخر.

ويرى خبراء أن هذا المشهد لا يشبه إطلاقا الأزمة المالية الطولية التي تلت اعتبارا من خريف العام 2008 إفلاس مصرف ليمان براذرز. إنما يحصل السيناريو بشكل معاكس حاليا، إذ أن هذه المرة كان تراجع الأسواق ناجما عن توقف العجلة الاقتصادية.

ويشير المسؤول في شركة “سويس لايف إيه.أم” لإدارة الأصول، إريك بورغينيون في حديث صحافي إلى “أننا واجهنا أزمة عرض جديدة تماما. وتوقف الاقتصاد العالمي مع تعليق أنشطة المصانع وإغلاق الحدود وتجميد الطائرات على مدرجات المطارات وإغلاق أبواب المتاجر والمطاعم”.

ويستذكر المدير المساعد في شركة “أموندي” لإدارة الأصول فانسان مورتييه “أنها كانت المرة الأولى التي سُجّل فيها ركود ملحوظ إلى هذا الحدّ، شامل إلى هذا الحدّ لكن يُنظر إليه على أنه قصير من حيث المدة الزمنية”.

ويرى المسؤول الدولي عن بحوث الاقتصاد الكلي لدى مصرف “سوسييتيه جنرال” كوكو أغبو – بلوا أن كل شيء كان يذكّر “بحالات الحرب”.

ويعتبر مورتييه أن لهذا السبب اتخذت البنوك المركزية والحكومات تدابير “قوية للغاية دون الحاجة إلى محاسبتها”. ويضيف أنها كانت ردّة فعل “ضخمة جدا ممولة فقط من الدين”.

ويوضح أغبو – بلوا أن حوالي “24 ألف مليار دولار” من الأموال الجديدة تمّ ضخّها على الصعيد العالمي. ويضيف بورغينيون أن هذا الأمر يفرح كثيرا الأسواق “المدمنة على السيولة” منذ سنوات.

ويقول جي جي كينان المسؤول عن استراتيجية الأسواق لدى شركة “تي.دي أميريترايد” في نيويورك، إنه كان من المستحيل التكهّن بأحداث البورصات عام 2020، معتبرا أن “الطريقة التي خرجنا بها من الأزمة كانت مذهلة جدا”.

Thumbnail

ويلاحظ بنك التسويات الدولية وهو البنك المركزي لكافة البنوك المركزية في العالم، وجود مؤشرات مماثلة على الوفورات لمؤشرات فقاعة الإنترنت في تسعينات القرن الماضي.

ولا يساهم اقتحام مستثمرين أفراد لا يمكن التكهن بسلوكهم، الأسواق بأعداد كبيرة في تبديد المخاوف، وهو ما تشهد عليه موجة المضاربات الأخيرة حول سلسلة “غايم ستوب” الأميركية لمتاجر ألعاب الفيديو والتي تواجه فيها مضاربون كبار في وول ستريت مع “متلاعبين” في البورصة.

ويقول مورتييه “برأيي، سيكون خطيرا جدا التفكير بأن نهاية الأزمة الصحية تعني نهاية الأزمة، في الواقع الوضع معاكس”. ويقول أغبو – بلوا إن “نقطة ضعف هذا التوازن البدائي” الذي خُلق عن طريق الاستدانة “هو بوضوح التضخّم”.

ومنذ بضعة أسابيع، يراقب المستثمرون بقلق ارتفاع معدّلات الفائدة ويشعرون بالخوف عندما يتوقعون ارتفاع الأسعار، ما قد يدفع البنوك المركزية إلى وقف ضخّ الأموال.

ويقول بورغينيون “استدانة مفرطة وقطاعات تدهورت بشكل نهائي واقتصاد على شفير الهاوية: يتطلب الأمر الكثير من المهارة للحفاظ على هذا النظام مع مرور الزمن”.

وكانت تقارير سابقة قد كشفت أن السياسات النقدية التي كانت تعتبر في وقت من الأوقات غير تقليدية ومؤقتة، هي سياسات تقليدية وستستمر لفترة طويلة، مما انسحب على تغيير العديد من القناعات لهدف واحد وهو حماية الاقتصاد من خطر الركود.

فقد اضطرت البنوك المركزية للتفكير خارج الصندوق بسبب الأزمة المالية العالمية عام 2008، ثم بسبب جائحة فايروس كورونا المستجد خلال العام الحالي. لذلك أصبح مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأميركي والبنك المركزي الأوروبي ونظراؤهما من البنوك المركزية الكبرى أكثر اندفاعا وابتكارا في الدفاع عن اقتصادات بلدانها ضد الركود وخطر الكساد.

وقالت وكالة بلومبرغ في وقت سابق إن الشهور الأخيرة للعام 2020 لم تشهد فقط عودة السياسات النقدية التي تم استخدامها لأول مرة على نطاق واسع في أعقاب انهيار بنك ليمان براذرز رابع أكبر بنك استثمار في الولايات المتحدة في خريف 2008 مثل التخفيف الكمي، وإنما أيضا تبني سياسات غير مسبوقة في مواجهة تداعيات جائحة فايروس كورونا، فقد اتجهت البنوك المركزية نحو المجهول بصورة أكبر.

'