لائحة اعتذار فرنسا للتونسيين تعمّق الخلافات داخل النهضة – مصدر24

لائحة اعتذار فرنسا للتونسيين تعمّق الخلافات داخل النهضة

لائحة اعتذار فرنسا للتونسيين تعمّق الخلافات داخل النهضة

عمق تصويت حركة النهضة ضد لائحة تطالب فرنسا بالاعتذار للتونسيين عن حقبة الاستعمار تقدم بها حليفها الإسلامي ائتلاف الكرامة إلى البرلمان، هوة الخلافات داخل الحركة الإسلامية، وخلّف استياء كبيرا صلب أنصارها وقواعدها. ويرى مراقبون أن الخطوة ستغذي مطالب تغيير القيادة داخل الحركة التي تستعد لعقد مؤتمرها الحادي عشر وسط تنامي المطالب بعزل رئيسها راشد الغنوشي.

تونس – ألهب رفض حركة النهضة الإسلامية التصويت لصالح لائحة برلمانية تطالب باعتذار فرنسا عن جرائمها خلال الحقبة الاستعمارية، الخلافات داخل الحركة التي تعاني منذ فترة من انقسامات أفضت إلى بروز تيار ينادي بتغيير القيادة التي حادت بالحركة عن مبادئها وقناعاتها.

وعمق رفض الحركة للائحة وحيادها عن الشعارات التاريخية التي لا طالما نادت بها وروجت على أنها مبادئ من قبيل الانتصار للسيادة الوطنية، الخلافات بينها وبين قواعدها بدرجة أولى، ومع حلفائها داخل البرلمان بدرجة ثانية.

وعبّر أنصار الحركة وقواعدها عن غضبهم على رفض التصويت على اللائحة لجهة أنه يساهم في خسارة حلفاء داخل البرلمان ويضع مبادئ الحركة محل تشكيك، وشنوا هجوما لاذعا على قيادتهم عبر صفحات التواصل الاجتماعي وصل إلى حد إعلان بعضهم الانسحاب من الحركة والانضمام إلى ائتلاف الكرامة الإسلامي.

ويشير مراقبون إلى أن صعود ائتلاف الكرامة إلى البرلمان التونسي في انتخابات العام الماضي كان بفضل انضمام عدد كبير من أنصار النهضة الغاضبين من حيادها على مبادئها إلى هذا الائتلاف الإسلامي.

ولا يستبعد هؤلاء أن يساهم رفض النهضة للائحة البرلمانية في تقلص أنصارها وتآكل خزانها الانتخابي لصالح ائتلاف الكرامة الذي أصبح في نظرهم ممثلا لقناعاتهم.

ووصف النائب عن ائتلاف الكرامة عبداللطيف العلوي تصويت النهضة ضد اللائحة التي تقدم بها ائتلافه بـ”الطعنة في الظهر” .

وقال العلوي في تصريح لـ”العرب” إن “ما وقع فضيحة ليس فقط لائتلاف الكرامة بل حتى لقواعد النهضة وللشعب التونسي عموما”.

عبداللطيف العلوي: النهضة طعنتنا في الظهر وما وقع فضيحة لقواعدها

وأكد أن ما حدث “سيؤثر مستقبلا على علاقة ائتلاف الكرامة بحركة النهضة”، مشيرا “ما قبل 9 يونيو (تاريخ التصويت على اللائحة) لن يكون كما بعد هذا التاريخ، وسيكون التقدير مخالفا في ما يتعلق بالنهضة”.

وأسقط البرلمان التونسي فجر الأربعاء مشروع لائحة قدمتها كتلة ائتلاف الكرامة تتعلّق بمطالبة الدولة الفرنسيّة بالاعتذار للشعب التونسي عن جرائمها خلال حقبة الاستعمار المباشر والتعويض عنها، بعد تصويت 77 نائبا بنعم ورفض 5 نواب واحتفاظ 46 نائبا بأصواتهم، فيما شارك في جلسة التصويت 128 نائبا من أصل 217.

ويتطلّب تمرير اللائحة حصولها على الأغلبية المطلقة من الأصوات أي 109 أصوات وفق ما تنص عليه المادة 141 من القانون الداخلي للبرلمان.

ويمثل ائتلاف الكرامة ظهيرا لحركة النهضة ولعب في وقت سابق دورا محوريا في تخفيف الضغوط على الحركة التي تواجه تنامي الأطراف السياسية المناوئة لها داخل البرلمان.

والأسبوع الماضي أنقذ الائتلاف الإسلامي حركة النهضة من سقوط مدوّ في البرلمان كاد يعصف برئاسة راشد الغنوشي للبرلمان، بعد أن صوت ضد تمرير لائحة سحب الثقة منه عبر لائحة تقدمت بها رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي بسبب تجاوز الغنوشي لصلاحياته بعد اتصاله برئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج وتهنئته باستعادة قاعدة الوطية وهو ما يعتبر اصطفافا خلف أحد أطراف النزاع في ليبيا ويتعارض مع الموقف الرسمي للدولة التونسية المبني على الحياد.

ودعا عضو مجلس شورى النهضة زبير الشهودي القيادة السياسية على رأس حركته إلى مراجعات عميقة في إدارتها للشأن العام ، في إشارة غير مباشرة إلى إسقاط لائحة الاعتذار.

وقال الشهودي في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية بالفيسبوك “مرة أخرى الأخلاق السياسية محور الفرز”، مضيفا “هذه المراجعات تخص النهضة وغيرها من الأحزاب”.

وكان الشهودي قد استقال في وقت سابق من خطته كمدير مكتب رئيس الحركة راشد الغنوشي، مطالبا بالتغيير صلب قيادة الحركة.

ودعا القيادي في بيان استقالته الغنوشي إلى “اعتزال العمل السياسي وملازمة بيته وإبعاد صهره (رفيق عبدالسلام)”.

وعزت النهضة في بيان لها عدم تصويتها على اللائحة إلى أن “طرح مثل هذه المبادرات الهامة والحساسة دون تنسيق وحوار مسبق بين مؤسسات الدولة وفاعليها الأساسيين في السياسة الخارجية، ودون تحقيق توافقات وطنية واسعة حول تفاصيل بنودها بين كل مكونات المشهد السياسي والمجتمعي، الذي يُحولها إلى مصدر خلاف واستقطاب رغم نُبل أهدافها”، مؤكدة على “ضرورة التنسيق مع رئيس الجمهورية في مثل هذه المبادرات التي تتّدخل في صميم اختصاصاته وصلاحياته”.

ويشير مراقبون إلى أن تصويت النهضة ضد اللائحة منح التيار المعارض لبقاء الغنوشي على رأس الحركة، وهو الذي يحتكر قياداتها منذ ما يقارب من 5 عقود، جرعة دعم إضافية لفرض التغيير صلب الحركة وفتح المجال لصعود قيادات جديدة.

وتقدمت قيادات تاريخية داخل النهضة بمبادرة تحثّ على عقد مؤتمر الحركة قبل نهاية العام وانتخاب قيادة جديدة، في تناقض مع ما يخطط له الغنوشي بتأجيل المؤتمر إلى موعد غير محدد والاستمرار في القيادة رغم رئاسته للبرلمان وصعوبة الجمع بين المهمتين.

وتداولت صفحات مقرّبة من الحركة مبادرة لعدد من القيادات حملت عنوان “مجموعة الوحدة والتجديد” قدمت خارطة طريق من سبع نقاط بشأن دور رئيس الحركة وموعد المؤتمر الذي تعطل عقده في موعده بسبب عدم تحمّس الغنوشي لعقده قبل ضمان تعديلات تُقدَّم في المؤتمر وتتيح له الاستمرار كرجل رقم واحد في الحركة.

وتواجه الحركة عدّة مشاكل، خصوصا في ما يسمي بـ”الانتقال القيادي”، في أجواء مشحونة بالتجاذب والمغالبة، بين نفوذ الغنوشي وتمسّكه بكرسي الرئاسة، وبين شق آخر يضم وجوها بارزة على رأسها وزير الصحة الحالي عبداللطيف المكي.

'