لجان تفتيش رسمية للرقابة على المساجد تثير ضجة في مصر – مصدر24

لجان تفتيش رسمية للرقابة على المساجد تثير ضجة في مصر

القاهرة- أثار وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة جدلاً مجتمعيًا واسعًا أخيرا عقب اتخاذه قرارات الهدف منها ضمان استمرار قبضته على أكبر قدر من المساجد والزوايا وتطهيرها من العناصر السلفية، غير أنه اصطدم برفض شعبي للإجراءات التي اعتبرت مزايدة سياسية من بينها الضغط على المصلين لاختصار وقت الصلاة والتضييق عليهم.

ومنعت وزارة الأوقاف صلاة التهجد وحظرت الاعتكاف بالمساجد في العشر الأواخر من رمضان، وتحت ضغط الرأي العام والاستهجان الواسع للقرار عادت الوزارة مساء الاثنين وقررت أن يكون التهجد فقط في آخر ثلاث ليال من رمضان.

ووضعت ضوابط جديدة بشأن صلاة عيد الفطر بعد أيام، ومنعت أداءها في الساحات وقصرتها على المساجد الكبرى بخطبة موحدة مدتها لا تزيد على عشر دقائق، وهددت بعقوبات تصل إلى فصل الأئمة المخالفين.

ناجي الشهابي: وزير الأوقاف يمنح تنظيم الإخوان أسلحة مجانية ضد الحكومة

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات نُسبت إلى موظفي الوزارة، وأظهرتهم وهم يقومون بقطع صلاة التراويح في أحد المساجد بحجة تجاوزها الوقت المحدد لها. وانتشرت عدة صور يظهر فيها عدد من المفتشين وهم يقومون ليلاً بالتأكد من غلق المساجد وعدم إقامة صلاة تهجد في أي منها.

وتلقف معارضون خطوات الأوقاف التي بررتها بمواجهة فايروس كورونا، ووجهوا إلى الحكومة انتقادات لاذعة واتهموها بمعاداة الدين، وتساوق هذا الهجوم مع قناعات المواطنين أنفسهم الذين يرون أنه لا يوجد ما يستدعي التضييق على أداء شعائرهم في رمضان في الوقت الذي خففت فيه الحكومة قيودها وإجراءاتها الاحترازية تخفيفا ملحوظا.

وصورت تيارات إسلامية معارضة هذه الأحداث على أنها حملات ممنهجة ضد الصلاة في المساجد وبدا واضحًا أن الصراع السياسي يهيمن على “أزمة التهجد”، لكن الحال يشير إلى أن الحكومة قد تكون هذه المرة طرفًا خاسراً وتجد نفسها في موضع الدفاع عن نفسها.

ويتفق مراقبون على أن وزير الأوقاف منح الجماعات الإسلامية المعارضة فرصة مجانية للهجوم على الحكومة والنظام المصري برمته، وأن حالة الاحتقان الشعبي ضد الوزير تُصعّب المهمة المستقبلية حال خاضت الحكومة معارك أخرى فكرية ضد التيارات الدينية، وبدلاً من أن تذهب الوزارة باتجاه بناء جسور الثقة بين شيوخ المساجد والمواطنين ضاعفت الفجوة التي طالما ظلت حائلاً دون مجابهة العناصر السلفية وغيرها من التنظيمات المتطرفة.

ويعتقد مثقفون أن اندفاعة وزارة الأوقاف تخدم التطرف ولا تقود إلى مجابهته، وأن تعاملها بأسلوب أمني عبر المنع والحظر والتضييق وليس فكريا من خلال تطوير خطابات أئمتها وتدشين علاقة سوية بينهم وبين المواطنين يدفع باتجاه تسلل التنظيمات المتشددة إلى المساجد مرة أخرى سواء أكان ذلك بشكل مباشر أم غير مباشر، لأن وجدان المواطنين سيتعلق برؤاهم، وفي تلك الحالة سيكون حضور الأوقاف شكليًا وغير مؤثر.

وقال الخبير في شؤون جماعات الإسلام السياسي سامح عيد إن “تراجع الحكومة عن تطبيق الإجراءات الاحترازية المرتبطة بمواجهة فايروس كورونا دون أن ينعكس ذلك على قرارات الأوقاف يشجع التيارات الإسلامية على إثارة مواقع التواصل الاجتماعي ضدها، وهو ما يجعلها تواجه أزمة آنية تتعلق بالصورة الذهنية السيئة لشيوخها الرسميين لدى قطاعات واسعة من المواطنين”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “وزير الأوقاف يفتقد إلى الرشد والحكمة في قراراته المرتبطة بالمساجد لأن خطواته الأخيرة التي تمثلت في تفعيل مهام مفتشي الوزارة جاءت في الوقت الذي تشيع فيه التيارات الإسلامية أن الحكومة تحارب الدين، وبرهنت على عدم امتلاك الوزارة قدرات تنظيمية تمكنها من إحكام رقابتها على ما يدور داخل المساجد دون أن تتورط في أزمة تعطيل الصلوات أو التضييق عليها”.

سامح عيد: وزير الأوقاف يفتقد إلى الحكمة في قراراته المثيرة للجدل

واستطاعت وزارة الأوقاف أن تطبق الخطبة الموحدة على كافة المساجد، وضبطت تجاوزات أئمتها واتخذت إجراءات عقابية بحق الكثير منهم تمكنت بمقتضاها من إحداث قدر من الانضباط، وهو ما حيّد المساجد عن توظيفها لخدمة المتطرفين.

وروج مختار جمعة لنجاحاته في مواجهة العناصر المتطرفة في تصريحات إعلامية أكد فيها أن وزارته تستمر في “كشف زيف وكذب الجماعات المتطرفة وغل أيديهم عن العبث بعقول شبابنا وعدم تمكينهم من السيطرة مرة أخرى على أي مسجد بعد أن خلصها الله من بث تطرفهم وضلالاتهم وجهلهم وتحريفهم الكلم عن مواضعه واتخاذهم إياها مرصدا لتجنيد عناصر جديدة يسممونها بأفكارهم الضالة”.

ولدى العديد من السياسيين قناعة بأن خطاب وزير الأوقاف الذي يوجهه إلى الرأي العام لم يعد مجديا، لأنه تمكن بالفعل من السيطرة على غالبية المساجد والمشكلة الأساسية تكمن في خطواته التي كان يجب عليه القيام بها بعد سيطرته، كما أن حضور السلفيين في المجتمع والحياة السياسية يأتي أحيانا برضاء الحكومة، وبالتالي فسهام النقد ستكون موجهة إليها بسبب خطوات الوزير الذي لفظه الرأي العام.

وأكد رئيس حزب الجيل ناجي الشهابي أن تحريك حملات التفتيش على المصلين في رمضان يعد من القرارات الخاصة بوزير الأوقاف ولا يمكن أن يكون توجها عاماً من الحكومة التي تدرك خطورة مثل هذه التحركات غير المنضبطة التي تخدم التطرف والتشدد وتمنح المتربصين بالدولة فرصة مواتية للهجوم عليها.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن “وزير الأوقاف يمنح تنظيم الإخوان أسلحة مجانية لمجابهة النظام المصري وإطلاق يد أنصار الجماعة لانتقاده، وهو أمر يجد استجابة من المستائين من مثل هذه التصرفات، حتى أصبح الرجل عبئاً على النظام وقد يكون الوقت الحالي مناسبًا لإقالته أو الإطاحة به في أقرب تعديل وزاري”.

وتنظر دوائر حكومية إلى حملات التفتيش عن النوايا والهجوم الذي تعرض له وزير الأوقاف باعتبارهما دليلا على ضرورة استمرار توجهاتها نحو تضييق الخناق على المتطرفين، وأن خوض غمار الصراعات مع التنظيمات الإسلامية من بوابة قرارات وقف هيمنتهم على المؤسسات الدينية سيحضر بقوة في الفترة المقبلة، وأن محاولات التسلل إلى المساجد وتوظيفها سياسيًا مازالت قائمة.

'