لماذا تتقدم اللجنة العسكرية وتخفق السياسية في الأزمة الليبية – مصدر24

لماذا تتقدم اللجنة العسكرية وتخفق السياسية في الأزمة الليبية

تناقضات كبيرة بين مساري اللجنة العسكرية (5 + 5) التي تولت مهمة ترتيب الملفات الأمنية ووقف إطلاق النار، وبين اللجنة السياسية التي غرقت في تفاصيل الخلافات والحسابات. ويحسب للجنة الأولى قدرتها على التوحيد والتجميع بسبب خلوها من وجود إسلاميين داخلها، وباتت عنصر تفاؤل. وإذا لم يتم اختراقها وتخريب أعمالها من جهات داخلية أو خارجية، فإنها ستكون ضمانة الحل السياسي في ليبيا.

حققت اللجنة العسكرية الليبية المعروفة بـ(5 + 5)، وتسمى حاليا لجنة “العشرة”، تقدما لافتا في القضايا التي تطرقت إليها لتجاوز الكثير من الإشكاليات الأمنية، بينما تواجه نظيرتها السياسية عثرات وعراقيل ومطبات متعددة ربما تحول دون استكمال المؤشرات الإيجابية التي لاحت في بدايات ملتقى تونس للحل السياسي مؤخرا.

في الوقت الذي تعول فيه دوائر سياسية عدة على بلورة تفاهمات الأولى في صورة عملية على الأرض، تشير فيه إلى أن مخرجات ملتقى تونس أصبحت في مهب الريح، إذا وافق مجلس الأمن الدولي على ترشيح الأمم المتحدة للدبلوماسي البلغاري نيكولاي ميلادينوف كرئيس لبعثتها للدعم في ليبيا.

ومن المرجح أن يتوارى دور ستيفاني وليامز الرئيسة بالإنابة، سواء بالرحيل عن البعثة أو بتهميش المهام الموكلة إليها، وهي التي قامت بهندسة ملتقى تونس حتى خرج بالصورة التي ظهر عليها، وأشاعت عمدا أجواء من التفاؤل حيال اللجنة السياسية.

تجاوزت اللجنة العسكرية الكثير من الخلافات البينية، وقفزت فوق العديد من التباينات الأمنية، ولعل إطلاق وصف لجنة العشرة عليها أخيرا يلخص جانبا من الآلية التي تعمل بها، وتعتمد على تقريب المسافات بين أعضائها بشكل احترافي، وإعلاء قيمة الوحدة في ليبيا دون أهواء سياسية أو أهداف أيديولوجية أو أغراض مناطقية.

حدّت الأهواء والأهداف والأغراض من تحقيق تقدم ملموس داخل اللجنة السياسية، وأخضعت جانبا كبيرا من أعمالها لحسابات وتقديرات بعض القوى التي تريد الهيمنة على مفاصل القرار، بصرف النظر عن العواقب التي تنجم عن ذلك، وانعكاساتها على الدولة الليبية، فقد تنامت حدة الابتزاز والمساومات إلى درجة جعلت من لقاءات الشخصيات السياسية فضاء حيا للعراك والمناورات، ما جعلها لا تحرز تقدما حقيقيا.

البعد عن الانتماءات الضيقة

خلع أعضاء اللجنة العسكرية كل الانتماءات الضيقة، وأبقوا على الانتماء لشرف الجندية، ما مكنهم من تخطي الكثير من المشكلات، وسهل مهمة التفاهم حول تثبيت وقف إطلاق النار، والعمل جديا على خروج المرتزقة من البلاد ورفع أيادي الجهات التي تقف خلفهم، والتفكير في حلول واقعية للتعامل مع مشكلة الميليشيات، والعمل على هيكلة وتوحيد مؤسسة وطنية تلعب دورا مهما في حفظ الأمن والاستقرار. 

من المرجح أن يتوارى دور ستيفاني وليامز، سواء بالرحيل عن البعثة أو بتهميش المهام الموكلة إليها، وهي التي قامت بهندسة ملتقى تونس، وأشاعت عمدا أجواء من التفاؤل حيال اللجنة السياسية

بدت القضايا التي توحد أعضاء اللجنة العسكرية، هي ذاتها تقريبا التي تفرق أعضاء اللجنة السياسية وربما تزعجهم، لأن عددا كبيرا ممن حضروا ملتقى تونس الأخير جاؤوا وفي معية الكثير منهم أجندات متلونة كفيلة بنسف فكرة التوافق التي انطلق نظريا منها.

تكمن ميزة لجنة العشرة في أنها خالية من ممثلي التيار الإسلامي، وهي العقدة التي جعلت اللجنة السياسية لم تحقق التقدم المرجو، ولن تصل إليه في المدى المنظور، فقد خلا الجيش الليبي من وجود منتسبين إليه من جماعة الإخوان، أو أي من التيارات المتشددة، حيث تأسس قبل عقود على أساس وطني، وهذه واحدة من نقاط التفوق المهمة التي أدت إلى تسريع وتيرة التفاهم بين أعضاء اللجنة العسكرية، فلا عباءة قبلية أو ولاء سياسيا، وشعارهم وحدة واستقرار الدولة الليبية.

خضعت اللجنة السياسية لشد وجذب كبيرين، ومحاولات مضنية لضبط الأمور بما يجعلها فضفاضة وبعيدة عن الحسم، كي يمكن أن تتحكم السلطة السياسية في أركان الدولة، وفي مقدمتها المؤسسة الأمنية بشقيها العسكري والشرطي، وعكس النقاش الطويل حول مهام رئيس كل من الحكومة والمجلس الرئاسي هذا الجانب، حيث تريد كل جهة فرض قبضتها على الجيش بشكل خاص، باعتباره القوة الرمزية للدولة.

استوعب أعضاء لجنة العشرة التوجهات الإقليمية والدولية الراغبة في حل الأزمة الليبية، وانسجموا مع تطلعات المواطنين في توفير الأمن والاستقرار، بعد أن ملوا من تحكم الكتائب المسلحة في قرارات النخبة السياسية.

كما أنهم لم يفوتوا الفرصة المواتية لقطع شوط معتبر في التفاهم حول عديد من الملفات المطروحة عليهم، وجاءت مواقفهم حاسمة، على أساس أن الأجواء العامة يمكن أن تكون مناسبة لضبط الدفة العسكرية، وهي مفتاح الحل والعقد في كثير من الأمور.

جرى التقاط رسالة المجتمع الدولي وميل بعض قواه الرئيسية نحو إنهاء الفوضى الأمنية لأسباب متفرقة، وعجل أعضاء اللجنة من منطلق المسؤولية الوطنية بتضييق الهوة التي عطلت جلوسهم وجها لوجه في اجتماعات جنيف الأولى، حيث تولت بعثة الأمم المتحدة نقل الرسائل والأفكار من وإلى كل طرف بصورة غير مباشرة.

لم تستغرق لجنة العشرة وقتا طويلا لهضم واستيعاب اللحظة الفارقة في عمر الدولة، ونسي كل عضو فيها المنطقة التي ولد فيها أو ينحدر منها، فلم يعد أحد معنيا بشرق أو غرب أو جنوب، فالهم الليبي نجح في توحيد موقفهم، وفرض تجاهل التجاذبات التي غرقت فيها الطبقة السياسية، وكانت عنصرا مركزيا في إطالة عمر الأزمة.

مقاومة الفوضى والانفلات

سعي شعبي إلى توفير الأمن والاستقرار
سعي شعبي إلى توفير الأمن والاستقرار

إذا واصلت اللجنة العسكرية دورها، ولم يتم اختراقها وتخريب أعمالها من أي جهة داخلية أو خارجية تستطيع أن تضع الحصان أمام العربة في ليبيا، فلن تكون هناك سلطة متماسكة بدون أن تقف خلفها مؤسسة عسكرية قوية، ولن تتمكن أي جهة من ترتيب انتخابات رئاسية وتشريعية سليمة قبل ضمان وجود مؤسسة شرطية قادرة على الردع والإشراف والتنظيم.

باتت المؤسسة الأمنية النظامية القاطرة في ليبيا، وعندما تتمكن من التغلب على الملفات الشائكة، وأبرزها المرتزقة ومنع التدخلات الخارجية ووضع نهاية لمأساة الميليشيات، تكون قد وضعت اللبنة الأولى لخروج الدولة من مأزق عاشت في كنفه نحو عشر سنوات متواصلة، وتريد بعض القوى استمراره لأجل غير مسمى.

أعضاء لجنة العشرة استوعبوا التوجهات الإقليمية والدولية الراغبة في حل الأزمة الليبية، وانسجموا مع تطلعات المواطنين في توفير الأمن والاستقرار، بعد أن ملوا من تحكم الكتائب المسلحة في قرارات النخبة السياسية

عندما تبتعد اللجنة العسكرية عن التأثيرات المفتعلة وتواصل عملها باحترافية تتمكن من تنفيذ ما توصلت إليه، وهنا يمكن القول إن الأزمة الليبية في سبيلها إلى زوال تدريجيا، لأن أعضاء اللجنة سيتعرضون، أو تعرضوا بالفعل، لضغوط كثيرة من أنصار الفوضى والمؤيدين للانفلات، فاستكمال أعمالهم يهدد قوى نافذة، وجهات وجدت نفسها في السيولة الأمنية التي تعم طرابلس وأنحاء أخرى من البلاد.

يؤدي العمل المهني الذي تقوم به اللجنة إلى بحثها عن الحلول وليس المشكلات، فهي تتعامل برؤية واقعية تمكنها من إيجاد حلول عملية، وعليها أن تجد صيغة مناسبة للموقف من قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، ومكانته في المنظومة العسكرية، بما يساعد على تخطي الخلاف حوله وعليه من قبل بعض الجهات، وهو ملف حرج يحتاج المزيد من الحنكة كي لا يتحول إلى ورطة أمام عملها، وينسف ما أنجزته من مهام حيوية في فترة قياسية.

'