ماكرون في صراع مع الوقت لإنقاذ ما تبقى من فترة ولايته – مصدر24

ماكرون في صراع مع الوقت لإنقاذ ما تبقى من فترة ولايته

ماكرون في صراع مع الوقت لإنقاذ ما تبقى من فترة ولايته

باريس – يتابع الفرنسيون بتفاؤل مجريات تركيز الحكومة الفرنسية الجديدة والتي باتت ملامحها واضحة بعد إعلان أنها ستضم وجوها جديدة ضمن مسار جديد، ما يشكل محطة أساسية في سعي الرئيس إيمانويل ماكرون لإنعاش القسم الأخير من ولايته الرئاسية قبل عامين من انتهائها.

ويأمل هؤلاء أن تتمكن الحكومة الفتية من حلحلة الملفات العالقة بغض النظر عن الأسماء المقترحة لتولي الحقائب الوزارية سواء كانت يمينية أو من أنصار البيئة (الخضر) وحتى من اليسار الاشتراكي، فالمهمة بالنسبة إليهم اقتصادية واجتماعية في المقام الأول.

وعيّن ماكرون الجمعة، جان كاستيكس على رأس الحكومة، وهو شخص غير معروف للجمهور الواسع، يشغل رئاسة بلدية مدينة صغيرة وينتمي إلى اليمين على غرار سلفه إدوارد فيليب.

وتنتظر كاستيكس ملفات شائكة أبرزها إصلاح نظام التقاعد الذي وعد به الرئيس ماكرون وإنعاش الاقتصاد الفرنسي الذي عرف ركودا بسبب أزمة فايروس كورونا فضلا عن أخذ تدابير جريئة لحماية البيئة ومحاربة البطالة.

ويستعد رئيس الوزراء الجديد إلى تقديم برنامجه بعد بضعة أيام، فيما ذكّر ماكرون في تغريدات، الأحد، بالخطوط الرئيسية للجزء الأخير من ولايته التي تمتدّ على خمسة أعوام.

وقال إنه سيتعيّن على “حكومة جامعة” أن تقوم بـ”إنعاش الاقتصاد ومتابعة إعادة بناء حمايتنا الاجتماعية والبيئية وإعادة تأسيس نظام جمهوري عادل” فضلاً عن “الدفاع عن السيادة الأوروبية”.

ويُتوقع أن يفصّل هذه الأولويات خلال كلمة يلقيها بمناسبة العيد الوطني في 14 يوليو الجاري، مستعيداً بذلك تقليداً رئاسياً كان ألغاه.

وبعد ثلاث سنوات في السلطة نُفذت خلالها إصلاحات مثيرة للجدل مثل إصلاح مساعدات البطالة، وتخللتها أزمات مختلفة مثل تظاهرات السترات الصفراء وأزمة وباء كوفيد – 19، أعلن ماكرون أنه يعتزم بث روح جديدة وانتهاج مسار آخر، في وقت انخفضت شعبيته وتواجه البلاد صعوبات جراء التداعيات الاقتصادية الكبيرة لتفشي الوباء.

وقرر رئيسا الجمهورية والحكومة تسريع وتيرة العمل لصرف النظر عن الانتكاسة التي مُني بها الحزب الحاكم الجمهورية إلى الأمام في الانتخابات البلدية التي جرت في 28 يونيو.

وفي وقت تزداد التكهنات باستيعاب الحكومة الجديدة لوجوه يسارية وازنة، أكدت الوزيرة الاشتراكية السابقة والمرشحة السابقة للرئاسة سيغولين روايال أنه جرى الاتصال بها السبت، لكنها أشارت إلى أن المشاركة في هذه الحكومة لن يكون لها “معنى” إلاّ في حال أرادت تطبيق سياسة “اجتماعية أكثر، بيئية أكثر، وديمقراطية أكثر”. لكن مصدرا قريبا من رئيس الجمهورية نفى هذه المعلومات.

وانتقد قادة المعارضة خيار تعيين شخصية غير معروفة مثل كاستيكس، واعتبروا أن الرئيس يسعى لتصدر المشهد قبل الانتخابات الرئاسية في 2022 بدون أن يزاحمه رئيس وزراء قوي، في إشارة إلى رئيس الوزراء المستقيل إدوارد فيليب.

وظهر كاستيكس السبت، لأول مرة منذ تعيينه في شركة للتكنولوجيا المتطورة تواجه صعوبات، وقال في تصريح إن “الجائحة غيرت قواعد اللعبة”، معتبرا أن التوجه البيئي “ضرورة” و” ليس خيارا”، وهو ما اعتبرته أوساط سياسية مغازلة لأنصار البيئة الذين اكتسحوا الانتخابات المحلية الأسبوع الماضي ومن المرجح بقوة انضمامهم للحكومة الجديدة.

ومن إصلاح نظام التقاعد إلى اتخاذ تدابير جريئة للحفاظ على البيئة مرورا بالإنعاش الاقتصادي وإصلاح نظام الأمن وقطاع الصحة الذي لعب العاملون فيه دورا محوريا في مواجهة أزمة فايروس كورونا، يقول محللون إن الوقت لن يكون ربما كافيا للحكومة الجديدة لمعالجة كل هذه الملفات المتراكمة قبل الموعد الانتخابي الكبير والمتمثل في الانتخابات الرئاسية المقررة في مايو 2022 المقبل.

وليس من المتوقع أن تقوم حكومة كاستيكس بثورة بيئية بمعنى الكلمة، وكما يطالب بها أحزاب الخضر، بل ستكتفي فقط بتنفيذ برامج بيئية صغيرة قد تناهز تكلفتها 15 مليار يورو وذلك لغاية نهاية ولاية ماكرون الرئاسية في 2022.

المعارضة تقول إن ماكرون يسعى لتصدر المشهد قبل الانتخابات الرئاسية في 2022 بدون أن يزاحمه رئيس وزراء قوي

وفي قطاع الصحة يعول ماكرون كثيرا على شخصية كاستيكس كونه سبق وأن شغل منصب مدير المستشفيات وتنظيم العلاجات في وزارة الصحة بين عامي 2005 و2006، كما أنه يملك علاقات متشعبة في قطاع الصحة، ما يؤهله لإعادة هيكلة القطاع المتعثر.

ويعد إصلاح هذا القطاع من بين الملفات الساخنة التي تواجهها الحكومة الجديدة. ورغم أن حكومة إدوارد فيليب قررت رفع موازنة هذا القطاع بمبلغ 6.8 مليار يورو من أجل رفع رواتب الأطقم الطبية وشراء المستلزمات الطبية الضرورية، فإن النقابات لم تكن راضية بهذه الموازنة.

وفي علاقة بإنعاش الاقتصاد الفرنسي ومنع تفشي البطالة بين الشباب، يستعد كاستيكس لطرح خطة جديدة لإنعاش الاقتصاد قبل نهاية شهر أغسطس المقبل من أجل المصادقة عليها.

و يتوقع أن تتضمن هذه الخطة حزمة من الإجراءات الكفيلة بخلق مناصب شغل جديدة. من بينها الاستثمار في التكنولوجيات الرقمية وإطلاق مشاريع بيئية، فضلا عن تخفيض نسبة الضرائب المفروضة على الشركات.

وكان وزير الاقتصاد السابق برينو لومير قد استبعد رفع نسبة الضرائب المفروضة على الفرنسيين، لكن بالمقابل طالبهم بالعمل أكثر لتدارك التراجع الاقتصادي الذي شهدته البلاد. كما دعا أيضا بعض الشركات الكبرى إلى إعادة توطين مصانعها في فرنسا وتوظيف الفرنسيين مقابل الحصول على مساعدات مالية من الدولة.

وإلى جانب كل هذه التحديات التي تنتظر الحكومة الجديدة، هناك أهداف أخرى لا تقل إلحاحا مثل إتمام عملية إصلاح نظام التقاعد الذي كشفت الحكومة عن ملامحه في نهاية السنة الماضية لكن تم تأجيله لوقت لاحق بسبب تفشي فايروس كورونا إضافة إلى بناء شرطة جديدة تعكس المجتمع الفرنسي بكل أطيافه.

'