وتتخصص مايكروسوفت في تطوير وتصنيع وبيع ودعم وترخيص برمجيات، وتقنيات الحاسوب وألعاب الفيديو وأنظمة التشغيل، كما تنشط في مجال إنتاج مكونات الحواسيب والخوادم والهواتف.

ويعد نظام “ويندوز” من أشهر منتجات مايكروسوفت، التي عززت مكانتها في التاريخ، بعدما أصبحت في عام 2021 ثاني شركة تكنولوجية في العالم، تتجاوز قيمتها السوقية مستوى الـ 2 تريليون دولار، بعد شركة أبل.

وحالياً تتجاوز القيمة السوقية لمايكروسوفت حاجز الـ 2.3 تريليون دولار، وهي تُعد ثاني أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، وذلك بدعم من تطوير أعمالها بشكل يواكب المتغيرات التي تحصل في السوق، فمايكروسوفت التي أسست في عام 1975 على يد كل من بيل غيتس وزميله بول آلان، لا تزال حتى الساعة وتحت إدارة المدير التنفيذي ساتيا نادالا، تبحث عن الاستثمار في أي تقنية جديدة تضمن استمرار تفوقها في السوق.

ونجاح الاستراتيجية التي تتبعها مايكروسوفت ظهر بوضوح في نهاية عام 2022، مع الإعلان عن ChatGPT الذي يجسد الجيل الجديد للذكاء الاصطناعي والمعروف بالذكاء الاصطناعي التوليدي.

عرض وظيفي يثير الاستغراب

ورغم أن “أوبن إيه آي” كانت صاحبة هذا الابتكار، فإن شركة مايكروسوفت تعد الشريك الممول والداعم الأكبر لـ “أوبن إيه آي”، وهذا الأمر بدأ منذ عام 2019، عندما ضخت مايكروسوفت أكثر من مليار دولار كاستثمارات في صانعة “ChatGPT” لتتطور العلاقة التي تجمع الطرفين بشكل أكبر في 2021، مع جولة تمويلية جديدة، وصولاً إلى بداية عام 2023، مع الإعلان عن نية مايكروسوفت ضخ مبلغ يصل إلى 10 مليارات دولار، في “أوبن إيه آي” خلال السنوات المقبلة، وذلك لتعزيز التعاون بين الطرفين فيما يتعلق بتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

والآن، ومع اقتراب نهاية عام 2023، تعود مايكروسوفت إلى الواجهة من جديد، حيث أثار إعلان وظيفي نشرته الشركة الاستغراب، وذلك مع كشفها عن حاجتها لتوظيف “مدير برنامج رئيسي للتكنولوجيا النووية”، وهو ما طرح علامات استفهام حول ما تخطط له الشركة، والسبب الذي دفعها إلى دخول عالم الطاقة النووية.

وبحسب مايكروسوفت فإن الخبير في التكنولوجيا النووية الذي تبحث عنه، ستكون مهمته إنضاج ووضع خريطة طريق، لتشغيل مراكز البيانات السحابية والذكاء الاصطناعي، عن طريق المفاعلات المعيارية الصغيرة (SMR) أو المفاعلات النووية الصغيرة.

ما هي المفاعلات المعيارية الصغيرة؟

المفاعلات المعيارية الصغيرة (SMR) كناية عن مفاعل نووي صغير، يولد الكهرباء بطريقة الانشطار النووي، ويتم تصنيعه في محطة كبيرة للطاقة النووية، ليتم نقله بعدها إلى الموقع المخصص له.

وأصبحت المفاعلات المعيارية الصغيرة (SMR) خياراً جذابا لمنتجي الطاقة مؤخراً، فهي أصغر بكثير من محطات الطاقة النووية التقليدية، ويمكن بناؤها بسرعة أكبر وبتكلفة منخفضة، وهي مصممة أيضاً لتكون أكثر أماناً، حيث إنه وفي حال حدوث أي خطأ يتم إغلاق المفاعل تلقائيا، ما يمنع إطلاق الإشعاع.

ويسمح التصميم المعياري لـ SMR ببناء مفاعلات تلبي احتياجات الطاقة المحددة، التي تحتاجها مؤسسة ما، كما يمكن وضع هذا المفاعل بالقرب من هذه المؤسسة، ما يقلل من الحاجة إلى نقل الكهرباء، لمسافات طويلة، وهذا يعني أنه يمكن استخدام الطاقة المنتجة بشكل أكثر كفاءة وفعالية.

ويمكن تشغيل المفاعلات النووية الصغيرة (SMR) عبر مجموعة متنوعة من أنواع الوقود المختلفة، مثل اليورانيوم والبلوتونيوم والثوريوم وحتى النفايات النووية المعاد تدويرها.

ويقول خبير التحول الرقمي بول سمعان، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن لجوء مايكروسوفت إلى المفاعلات النووية الصغيرة، التي تولد الكهرباء بطريقة الانشطار النووي له عدة أسباب، أبرزها حاجة الشركة لكمية كبيرة من الكهرباء لمراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، التي تتطلب عملية تشغيل الخوادم والأجهزة الأخرى الموجودة فيها كميات هائلة من الطاقة، ولذلك فإن مايكروسوفت ومن خلال بحثها عن “مدير برنامج رئيسي للتكنولوجيا النووية”، تكون قد بدأت في وضع خريطة طريق، لفعل كل ما يلزم لتبني مسار إنتاج الكهرباء عبر الطاقة النووية.

وبحسب سمعان فإن المفاعلات النووية الصغيرة ستساعد مايكروسوفت على خفض تكاليف فاتورة الكهرباء، في ظل النمو المتوقع لمستويات حاجتها من الطاقة، كاشفاً أن الغاز الطبيعي والفحم، يعدان من المصادر الرئيسية لتشغيل مراكز البيانات حالياً، وهذا الأمر يجبر الشركات، على البحث عن مصادر طاقة أكثر استدامة، خاصة شركات التكنولوجيا التي تعزز جهودها لتبني تقنيات وحلول صديقة للبيئة، ما يتطلب تطوير مصادر جديدة للطاقة.

ويرى سمعان أن مايكروسوفت، ورغم امتلاكها لإمكانيات مالية كبيرة، تساعدها في تبني فكرة بناء مفاعلات نووية صغيرة تمد الشركة بالطاقة، إلا أن هذا الأمر يحتاج في النهاية للحصول على الموافقات التنظيمية اللازمة من قبل السلطات المختصة، لافتاً إلى أنه، وفي حال نجاح مايكروسوفت في هذا التحدي، فإن ذلك سيؤدي إلى تسريع عملية انتشار وتبني الشركات للمفاعلات النووية الصغيرة.

وتوقع سمعان أن يؤدي التطور المستمر للذكاء الاصطناعي التوليدي، إلى المساعدة في تصميم وتطوير وإدارة وتشغيل المفاعلات النووية الصغيرة بشكل أكثر أماناً وكفاءة.

الاستثمار في جميع أشكال الطاقة النووية 

من جهته يقول مهندس الحاسب والبرمجة محمد الحركة، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن شركة مايكروسوفت دائماً ما تسعى لكي تكون السباقة في توظيف التكنولوجيات الجديدة، خاصة في مجال إنتاج الطاقة، لتشغيل مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي التابعة لها.

وكشف أن خطوة الشركة التي تهدف إلى توظيف خبير نووي، لا ترتبط فقط بالمفاعلات النووية الصغيرة التي تنتج الطاقة بطريقة “الانشطار النووي”، بل أيضاً بالمفاعلات التي ستنتج الطاقة بطريقة “الاندماج النووي”، التي لم يتم بعد طرحها على الصعيد التجاري نظراً لعدم جهوزيتها.

ويكشف الحركة أنه في شهر مايو من العام الحالي، وقّعت مايكروسوفت اتفاقية لشراء الكهرباء من شركة هيليون لإنتاج الطاقة، بطريقة “الاندماج النووي” بدءاً من عام 2028، معتبراً أن هذه الاتفاقية شكلت بداية مسار تحول مايكروسوفت إلى الطاقة النووية، لتستكملها الآن بخطوة البحث عن خبير نووي، مهمته تحضير الأرضية داخل الشركة وجعلها قابلة للتكيف مع التغيير المنتظر.

وبحسب الحركة فإن المفاعلات المعيارية الصغيرة (SMR) التي تخطط مايكروسوفت للاعتماد عليها، في الفترة المقبلة، قد تصل كلفة بنائها إلى أكثر من مليار دولار، ولكن هذا المبلغ الكبير يستحق المخاطرة، حيث ستكون انعكاسات هذه الخطوة إيجابية، وستؤدي إلى تخفيض فاتورة الطاقة لمايكروسوفت، بشكل كبير جداً ولسنوات طويلة، كاشفاً أن العديد من الدول، بدأت في استكشاف فرص تبني سياسة بناء محطات الطاقة النووية الصغيرة، نظراً للإيجابيات التي تتنوع بين الكلفة والمرونة والأمان.

ويرى الحركة أن الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة الأميركية، ستقوم بالتدقيق جيداً فيما تخطط له مايكروسوفت، حيث إن بناء أي مفاعل نووي، ومهما كان نوعه يجب أن يترافق مع الالتزام بشروط السلامة، وتوظيف أشخاص يمتلكون خبرات متخصصة، فكما هو الحال مع جميع التقنيات النووية، يجب أن تخضع المنشآت النووية لاختبارات أمان مكثفة، مشيراً إلى أن القواعد واللوائح التي تحكم بناء مفاعلات (SMR) لا تزال قيد التطوير، مما يجعل من الصعب حصول مايكروسوفت على الموافقة في وقت قريب.

ويلفت الحركة إلى وجود مخاوف بشأن الآثار البيئية المحتملة، لبناء المفاعلات النووية الصغيرة، فهذه المهمة معقدة وتتطلب دراسة وتخطيطا دقيقين، وتحديداً لناحية تقديم حلول، للتخلص بأمان من النفايات النووية التي تنتج عن هذا المفاعل.