مبادرة الكاظمي لعقد حوار وطني: من سيحاور من؟ – مصدر24

مبادرة الكاظمي لعقد حوار وطني: من سيحاور من؟

تواجه مبادرة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لعقد حوار وطني مع مختلف مكونات المشهد السياسي في البلاد لرسم معالم “العراق الجديد” عقبات كثيرة وصعبة تحول دون تحقيقها. فعلى الرغم من تأييد أطراف داخلية ودولية لهذه الخطوة التي تأتي في وقت حساس في ظل المتغيرات على المسرح العالمي، إلا أن الأرضية المناسبة لإنجاحها تبدو غير متوفرة. وحتى لو تم افتراض أنها متوفرة فإن أي مخرجات ربما لن تجد طريقها إلى التنفيذ واقعيا.

بغداد – سعى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي منذ توليه السلطة في مايو العام الماضي إلى وضع تصور لكيفية تفكيك الأزمات المركبة التي تعاني منها البلاد من الغزو الأميركي في 2003، والابتعاد عن فلك إيران المسيطرة على كل مفاصل الدولة تقريبا، وهو اليوم يأمل في تحقيق مبادرته بعقد حوار وطني يجمع كافة القوى على طاولة واحدة.

وتزامنا مع انتهاء زيارة بابا الفاتيكان فرانسيس للعراق ودعوته إلى نبذ العنف واستخدام السلاح، دعا الكاظمي في الثامن من الشهر الجاري إلى حوار وطني شامل بين جميع “المختلفين” وعقد مصالحة وطنية على “أساس مصلحة البلد وأمنه وسيادته” لإنجاح الانتخابات المبكرة المقررة في أكتوبر المقبل وتحقيق تطلعات الشعب العراقي.

وقد حظيت تلك المبادرة باستجابة الأوساط الاجتماعية والسياسية ومعظم الكتل السياسية الفاعلة على الساحة السياسية، مع اعتراضات من كتل أخرى مثل سائرون والفتح، وتأييد حكومة إقليم كردستان العراق ودول ومنظمات إقليمية ودولية.

وبالنظر بعمق إلى ما يمكن أن تحققه هذه الخطوة على مستوى الاستقرار بالنسبة إلى بلد عانى من ويلات انعدام الأمن وتضرر الاقتصاد بشكل كبير، فإن الكثير من التحديات والعراقيل تبدو العنوان الأبرز أمام التوصل إلى نتائج ملموسة يمكن ترجمتها على الأرض.

مبادرة فضفاضة

تسود الأوساط السياسية العراقية بشكل عام حالة من الغموض في معرفة المقصودين بتسمية “المختلفين”، التي وردت في دعوة الحوار الوطني والتعريف بهم وتحديد هويتهم.

واحتوت دعوة الكاظمي على المزيد من “العموميات”، التي كثيرا ما تداولها سياسيون في مراحل سابقة بدعوات شبيهة لدعوته لم تحقق أيّا من غاياتها قدمها رئيسا الوزراء السابقان حيدر العبادي وعادل عبدالمهدي، ورؤساء كتل سياسية مثل عمار الحكيم وإياد علاوي وغيرهما.

وتنظر القوى والكيانات السياسية إلى دعوة الحوار الوطني من منظور ما يمكن تحقيقه من مكاسب لها بعيدا عن التأصيل للحوار الوطني والمصالحة المجتمعية الشاملة الكفيلة بإخراج العراق من واقع الانقسام الذي ظل يعاني من تبعاته طوال 18 عاما إثر الإطاحة بنظام صدام حسين.

وما يوحي بأن المبادرة تبدو فضفافة في مضمونها هو اقتصار دعوة الكاظمي على جميع الأطراف السياسية والمحتجين والأطراف المعارضة للعملية السياسية من داخلها دون الذهاب أبعد من ذلك إلى القوى والفاعليات الاجتماعية والشخصيات السياسية والاعتبارية المعارضة للحكومة الاتحادية ومجمل العملية السياسية، والتي لا تزال تتبنى موقفا معارضا لها سواء من داخل العراق أو خارجه.

رؤى متباينة

Thumbnail

تؤيد الكتل السياسية الممثلة للعرب السُنّة، وهي كتل هامشية بالنظر إلى سيطرة الكتل الشيعية المقربة من إيران على المشهد السياسي، دعوة الحوار الوطني للتأسيس لمرحلة جديدة على أن يكون هذا الحوار حقيقيا على خلاف الدعوات السابقة لمثل هذه الحوارات التي لم تفض إلى نتائج لتجاوز الأزمات التي يعاني منها العراقيون.

وقد اعتبر رئيس تحالف عراقيون برئاسة الحكيم أن دعوة الكاظمي “فرصة سانحة لإجراء المصالحة بانخراط جميع القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية والأكاديمية بحوار يستوعب جميع الرؤى والأفكار لمعالجة الإخفاقات وتقويم السلبيات”.

ويعتقد ائتلاف النصر، الذي يقوده العبادي، أن حوارات وطنية كهذه يمكن أن تؤدي إلى حل المشاكل التي يمر بها العراق وأن اقتراب موعد الانتخابات المبكرة في أكتوبر القادم يتطلب توفير أجواء سياسية وأمنية هادئة.

وحتى حكومة إقليم كردستان رحبت بالفكرة وجعله “حوارا حقيقيا عميقا لوضع حلول جذرية لمشاكل الإقليم مع الحكومة الاتحادية”.

أما في ما يتعلق بالمحتجين فإن دعوة الكاظمي التي تحدثت عن ضرورة مشاركتهم في الحوار الوطني تبدو غير مرحب بها من قبلهم دون إيفاء الكاظمي بتعهداته بالكشف عن قتلة المتظاهرين وتقديمهم للمحاكمة ووقف حملات الإخفاء والاغتيال التي تطال الناشطين في الحركة الاحتجاجية.

ومنذ أكتوبر 2019 شهدت بغداد ومحافظات الوسط والجنوب احتجاجات واسعة ضد الأحزاب والكتل السياسية المهيمنة على السلطة والثروات.

واقع الانقسام في العراق يفرض عقد اجتماعي تتفق عليه المكونات الرئيسية الثلاثة، الشيعة والعرب السنة والأكراد

ونجحت الاحتجاجات في إرغام عبدالمهدي على تقديم استقالته في مطلع نوفمبر 2019 بعد مقتل نحو 700 شخص وإصابة المئات، وتشكلت حكومة الكاظمي لإدارة مرحلة انتقالية تمهد لانتخابات مبكرة أُعلن عنها في السادس من يونيو الماضي، وأُجلت إلى العاشر من أكتوبر القادم.

ومع إعلان الكتل السياسية المتنفذة في مجلس النواب (البرلمان) لم تخف حماسها بدعوة الكاظمي، إلا أنها قد لا تستجيب لمتطلبات نجاح الدعوة التي ينبغي أن تكون شاملة لجميع القوى والشخصيات المعارضة للعملية السياسية، وهو ما ترفضه تلك الكتل التي تعتمد تحقيق مكاسب كبيرة جراء عملية اقتسام السلطة والموارد على أساس المحاصصة السياسية.

ورحبت كتلة سائرون، التي تضم 54 نائبا من أصل 329 نائبا، والتي يقودها رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر بدعوة الكاظمي، لكنها اشترطت أن يكون الحوار بإشراف أممي، يستثني كل مَن له انتماء بعثي أو إرهابي.

كما أن كتلة الفتح التي تضم 47 نائبا ويقودها الأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري، رحبت هي الأخرى بدعوة الحوار الوطني مع شرط يبدو “تعجيزيا” يتمثل في عدم إجراء مثل هذا الحوار قبل إكمال القوات الأجنبية انسحابها من العراق تنفيذا لقرار مجلس النواب في يناير 2020، الذي طلب من الحكومة الاتحادية إخراج جميع القوات الأجنبية.

وطالبت الفتح التي تُعد الكتلة الأكثر نفوذا في العراق سياسيا وأمنيا كونها تضم نوابا يمثلون فصائل شيعية مسلحة بعضها حليفة لإيران، بأن تكون أولويات الحكومة في هذه المرحلة تقديم حلول جذرية للأزمة الاقتصادية وإعادة هيبة الدولة وسيادتها وتوفير الخدمات الأساسية والتهيئة للانتخابات المبكرة المقررة في 10 أكتوبر القادم.

ولا يمتلك الكاظمي كتلة سياسية في مجلس النواب يمكن أن تكون داعمة لمشروع الحوار الوطني، أو سلطة القرار الذي يُلزم المجموعات الشيعية المسلحة بنزع أسلحتها واستعادة استقلال القرار السيادي اللازم لنجاح دعوات الحوار الوطني.

غياب الأرضية للحوار

Thumbnail

تفتقد دعوة الكاظمي للحوار الوطني إلى مقومات تمهيد الأرضية لإجراء المصالحة الشاملة بين الأطراف المعنية بالدعوة، والتي حددها رئيس الوزراء بـ”المختلفين” مع الحكومة والمعارضين لها من القوى السياسية والمحتجين.

ومع أن توصيف “المعارضة” قد لا يكون واقعيا، ولكن مع افتراض وجودها، وهي بالتأكيد قوى تمثل العرب السُنّة، فإن هذه القوى التي يمكن أن تقبل بالدخول في الحوار مع ممثلي الحكومة تتطلع إلى حلول جذرية لمسببات الأزمات في العراق، مثل حصر السلاح بيد الدولة وعودة النازحين والمهجرين قسرا إلى مناطقهم والكشف عن المغيبين والتوزيع العادل للمناصب السيادية والثروات وملفات أخرى.

ولا يزال الكاظمي بحاجة إلى المزيد من الخطوات لإعادة ثقة المحتجين بمحاسبة قتلة المتظاهرين ورؤوس الفساد المالي والسياسي الذي ينخر مؤسسات الدولة قبل أن يدعو لحوار وطني يشمل المحتجين.

ما يوحي بأن دعوة رئيس الوزراء تبدو فضفافة في مضمونها هو عدم شمولها كافة المكونات السياسية والاجتماعية والشخصيات الاعتبارية، التي لا تزال تتبنى موقفا معارضا من السلطة سواء من داخل العراق أو خارجه

ويرى بعض المراقبين أن دعوة الحوار الوطني تبدو عقيمة ولن تؤدي إلى حلول جذرية للأزمات المتراكمة التي يعاني منها العراق طالما أن المحتجين رفضوا الدعوة “ضمنا”، وطالما أن الدعوة اقتصرت على القوى والكيانات السياسية، وهؤلاء هم متصالحون وينسقون في ما بينهم داخل مجلس النواب ولا توجد أي قطيعة بينهم.

ومع واقع الانقسام المجتمعي في مستويات عدة، فإن العراق بحاجة إلى عقد اجتماعي تتفق عليه المكونات الرئيسية الثلاثة، الشيعة والعرب السنة والأكراد وباقي المكونات الأخرى لتحقيق شراكة حقيقية في السلطة والموارد والتوافق على إدارة الدولة العراقية دون تهميش أو إقصاء على أساس الانتماء العرقي أو الديني أو الطائفي أو المناطقي.

وليس ذلك فحسب، بل إن الحوار الوطني في أجواء “غياب سلطة الدولة” وعدم قدرة الحكومة على نزع سلاح المجموعات الشيعية الحليفة لإيران، يشكل التحدي الأكبر أمام الكاظمي للمضي قدما بالحوار الوطني وإنجاز المصالحة المجتمعية الشاملة، وهو التحدي الذي يفوق قدرة الكاظمي على مواجهته.

'