متاهة صناعة النسيج تختبر قدرة القاهرة على إنقاذها – مصدر24

متاهة صناعة النسيج تختبر قدرة القاهرة على إنقاذها

تصاعدت شكوك الخبراء في جدوى خطط الحكومة المصرية لانتشال مصانع النسيج من أزماتها المتراكمة، والتي لا تزال ترزح تحت وطأة الخسائر منذ نحو تسع سنوات في ظل اقتصار الإصلاح على تقديم الدعم دون إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص للدخول في هذا المجال.

المحلة الكبرى (مصر) – تختزل صناعة النسيج المصرية حجم التحديات، التي تواجه قطاعات اقتصادية مهمة، حيث تحاول عبثا منذ سنوات العثور على بوصلة تخرجها من الطريق المسدود.

ووراء جدار متواضع تتجلى عليه علامات الزمن، يقبع أكبر مصنع للمنسوجات بالبلاد منذ عشرات الأعوام، حيث يتكبد خسائر ويثير الاستياء مع تحول اقتصاد البلاد مبتعدا عن التخطيط وفق النموذج الاشتراكي.

ورغم ذلك، وضعت الحكومة شركة مصر للغزل والنسيج في مدينة المحلة الكبرى بدلتا النيل في قلب خطة طموحة لإنقاذ شركات حكومية تسجل خسائر في قطاع المنسوجات الذي كان مزدهرا في الماضي.

وتكشف الخطة كيفية عدول الحكومة عن اتجاه كان سائدا في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي أُطيح به في 2011، بتحويل ملكية الشركات الحكومية إلى القطاع الخاص، حيث بدأت بدلا من ذلك في زيادة دعمها للشركات المملوكة للدولة.

وتشكل الخطة أيضا اختبارا مهما لمدى قدرة مصر على دعم قطاع يوفر الوظائف، مع انتهاء البلاد من برنامج إصلاح استمر ثلاث سنوات مدعوم من صندوق النقد الدولي.

وأشاد خبراء بالإصلاحات لمساهمتها في الاستقرار والنمو، الذي بلغ معدلا قويا قدره 5.6 بالمئة في الربع الثالث من العام، لكن باستثناء قطاع الطاقة، يشهد الاقتصاد انكماشا.

وتعكس قصة مصنع المحلة تراجعا منذ فترة أطول، فقد أنشأه رجل أعمال مصري في عام 1927 لصناعة منسوجات من القطن المصري طويل التيلة المشهور، الذي كان حتى ذلك الحين يُصدر خاما لتصنيعه في الخارج.

لكن في بداية ستينات القرن الماضي، قامت السلطات بتأميم المصنع إلى جانب معظم الصناعة المصرية، وبعد ذلك تراجع قطاع المنسوجات بفعل المنافسة الشديدة من آسيا.

وباستثناء فترة قصيرة شهدت توظيف عمالة في أعقاب الاضطراب السياسي قبل تسع سنوات، لم يعين المصنع أي عمال جدد لعشرات السنين، وهو ما أدى إلى تقلص قوته العاملة مع حالات التقاعد والاستقالة.

وفي متجر صغير للبقالة في مواجهة بوابة المصنع، قال عمال الشهر الماضي إن مصانع الشركة الثلاثة تعمل بما لا يزيد عن 40 بالمئة من طاقتها.

محمد قاسم: علينا معرفة العائد الذي تتوقعه الحكومة من وراء خططها

وقال أحد العمال، الذي طلب عدم نشر اسمه، لوكالة رويترز إن “الآلات متوقفة وثلاثة مصانع لا تحقق إنتاجا، واستلام الراتب يتأخر عشرة أيام كل شهر والأرباح السنوية تتأخر عن موعدها”.

وكشفت وزارة قطاع الأعمال في وقت سابق هذا العام عن خطة مدتها 30 شهرا تتكلف 21 مليار جنيه (1.3 مليار دولار) لإعادة تشكيل قطاع المنسوجات الحكومي، الذي يشكل 65 بالمئة من تصنيع المنسوجات في مصر.

وتخطط الوزارة لدمج 23 شركة نسيج في عشر شركات ونقل عمليات بعض المصانع إلى مصانع أخرى قريبة، وإغلاق المزيد من المصانع لتركيز الإنتاج في كفر الدوار بالقرب من الإسكندرية وحلوان بجنوب القاهرة والمحلة التي يقطنها نصف مليون نسمة.

وسيستوعب مصنع المحلة عمليات شركة النصر للغزل والنسيج والصباغة المجاورة التي تسجل خسائر.

وقال هشام توفيق وزير قطاع الأعمال لغرفة التجارة الأميركية في أبريل الماضي، إن “الحكومة تريد بيع بعض الأصول، وبشكل رئيسي الأرض، لتمويل شراء آلات جديدة لزيادة الطاقة الإنتاجية إلى أربعة أمثالها”.

وأضاف “تدرس الحكومة أيضا التوسع في إنتاج الملابس التي تعتمد على العمالة الكثيفة، وسيجري تحسين مكافآت الإدارة وربطها بالأداء”.

وتحتاج مصر إلى استيعاب 3.5 ملايين شخص من المنضمين الجدد إلى سوق العمل على مدى السنوات الخمس القادمة، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي.

لكن فتح المجال أمام القطاع الخاص، الذي يقول المقرضون الدوليون إنه مهم لتحقيق نجاح اقتصادي في المدى الأطول، يتعثر.

ويقول خبراء إن تعزيز حضور الدولة ربما يأتي على حساب النمو، مع تفاقم القلق من أن استياء عماليا ربما يتحول إلى اضطراب على نطاق أوسع.

وتواجه الحكومة مهمة صعبة لإحداث نقلة في القطاع. وقال محمد قاسم عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية “نريد أن نتعرف على الحسابات الاقتصادية للحكومة، ما العائد على الاستثمار الذي يتوقعونه؟”.

وأضاف “إذا كانت حساباتهم ليست دقيقة، فسيخسرون الكثير من الأموال. إذا استطاعوا منافسة الهند والصين فسيحققون نجاحا باهرا”.

وسجلت 23 شركة مصرية للغزل والنسيج خسائر مجمعة تجاوزت 2.59 مليار جنيه (160 مليون دولار في العام المالي المنتهي في يونيو 2018)، بحسب ما أظهرته أرقام وزارة المالية، لكن شركة واحدة فقط، وهي بورسعيد للغزل والنسيج حققت ربحا بلغ 320 ألف دولار.

وتكبد مصنع المحلة خسائر قدرها 41.5 مليون دولار في ذلك العام في ظل إيرادات بلغت 66 مليون دولار فقط، بحسب أحدث الأرقام المنشورة. وبلغت قيمة الأصول نحو 100 مليون دولار، بينما بلغت الالتزامات نحو 300 مليون دولار.

ويبلغ عدد العاملين الآن 18 ألفا، حسبما قال توفيق، انخفاضا من نحو 35 ألفا في ذروة نشاط المصنع في سنوات سبعينات وثمانينات القرن الماضي.

'