مجاراة موضة التكنولوجيا الرقمية لن تنتشل الإعلام المصري من أزماته – مصدر24

مجاراة موضة التكنولوجيا الرقمية لن تنتشل الإعلام المصري من أزماته

تقتصر نظرة القائمين على الإعلام المصري للتحول الرقمي على الجانب الاقتصادي بتوفير نفقات طباعة الصحف المرتفعة وتقليل عدد الصحافيين، متجاهلين أن أزمة الإعلام الحقيقية في المحتوى غير القادر على جس نبض الجمهور.

بدأت الحكومة المصرية تسريع خطواتها في ملف التحول الرقمي للإعلام لمجاراة التطور التكنولوجي الذي فرض نفسه بعد عزوف الجمهور عن متابعة الإعلام التقليدي والاتجاه بشكل أكبر نحو المنصات الرقمية، لكن الانتقال وحده لا يكفي في ساحة تشهد منافسة حادة، بل يحتاج تطوير المحتوى وتحسين الأداء والاهتمام بالقضايا التي تشغل الجمهور.

وناقش رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي مؤخرا مع أسامة هيكل وزير الدولة للإعلام سبل التسريع من وتيرة مشروع رقمنة الإعلام، حيث ترغب الدولة في أن يكون الاهتمام منصبا على وضع الإعلام على خارطة التطوير استجابة لمتطلبات المرحلة وعدم التخلف عن ركب الحداثة الإعلامية.

وتزامن التحرك الحكومي مع تصاعد النقد الموجه للإعلام التقليدي وغياب تأثيره لحساب منصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت لها الكلمة العليا في مصر وصارت أشبه بأحزاب إعلامية يمكنها توجيه الرأي العام، الأمر الذي ناقشته لجان برلمانية الأسبوع الماضي بحضور كرم جبر رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الذي انتقد بشدة تراجع أهمية المنابر التقليدية.

وتظل المشكلة أن وزارة الدولة للإعلام التي يفترض أنها مكلفة بالإنجاز في ملف الرقمنة، ليست لها صلاحيات تمكنها من تحقيق تقدم ملموس ولا يحق لوزيرها إلزام الهيئات الإعلامية أو المؤسسات الصحافية القومية بذلك، ما يثير تساؤلات حول أهمية الاستعانة بجهة بعيدة عن فرض قرارات أو سياسات إدارية أو تحريرية على الإعلام.

والإشكالية الأكثر تعقيدا أن هناك أزمة لدى القائمين على إدارة ملف الإعلام ترتبط بطبيعة فهم الأسباب الحقيقية أولا، لأن مشكلة الصحافة ليست في كونها ورقية أو لأنها لم تواكب التطور التكنولوجي بالشكل المطلوب، فهناك دول لديها إصدارات ورقية لها تأثير ونفوذ وثقل واسع ونسب توزيعها لم تندثر بفعل الرقمنة لأنها ركزت على جودة المحتوى.

وبالنظر إلى هجرة الجمهور للمنابر الصحافية، ترتبط المبررات بكونها نمطية في المحتوى سواء أكانت ورقية أو منصات إلكترونية، بمعنى أن التقليدية هنا لها علاقة بسطحية المضمون وليس لكون الصحيفة مطبوعة أو رقمية، بدليل أن أغلب المؤسسات لها مواقع إخبارية تواكب الحدث لكنها تكاد تكون نسخة مكررة من الصحيفة في تناولها للموضوعات وغياب مساحة الحرية.

وقال صحافي يعمل بموقع تابع لمؤسسة حكومية، فضل عدم ذكر اسمه، إن هناك فهما خاطئا لطبيعة الأزمة التي تعاني منها الصحف، فالإلكتروني منها صار مثل الورقي والعكس من حيث التناول الخبري وعدم التطرق إلى قضايا بعينها والالتزام بسياسة تحريرية حافلة بالممنوعات، بذريعة أن هذا المنبر حكومي ولا يجب أن يغرد خارج السرب أو ينشر ما يشاء.

وأضاف الصحافي لـ”العرب” أن المؤسسات الصحافية لم تستفد من مجاراتها للتطور بإصدار مواقع إخبارية بمضمون جيد، وقدمتها للجمهور منذ البداية على أنها متحدثة بلسان الحكومة، وأثبتت تجربة التحول الرقمي عدم فاعليتها وقدرتها على انتشال الصحافة المصرية من أزماتها والتوسع فيها بنفس السياسة دون تطوير المضمون لن يحل الأزمة بل يعقدها بشكل أكبر.

 

حسن علي: المواقع الإلكترونية بشكلها الحالي لم تجذب الأجيال الجديدة
حسن علي: المواقع الإلكترونية بشكلها الحالي لم تجذب الأجيال الجديدة

 

وتبدو عملية رقمنة الإصدارات الصحافية في نظر الحكومة أول خطوة للتخلص من دعمها سنويا بالمليارات من الجنيهات، بعدما صارت عبئا اقتصاديا، فهي لا تؤثر في الرأي العام ولا تستطيع توصيل رسائل الدولة للمواطنين ولا تجلب إعلانات تمكنها من الإنفاق على نفسها وتطلب المزيد من المساعدات المالية لتجنب الاندثار تماما.

ويوحي هذا التوجه إلى أن نظرة الحكومة لتحويل الصحف إلى إصدارات رقمية تحمل توجهات اقتصادية بحتة وتشي بغياب النية للتعاطي بشكل جاد مع معضلة المحتوى باعتباره جوهر المشكلة، فلم يتم التطرق إلى أبعاد الأزمة بشكل متعمق ويجري الحديث فقط عن تراكم الديون والتقليدية والنمطية وقوة منصات التواصل الاجتماعي.

ورأى حسن علي أستاذ الإعلام بجامعة قناة السويس، شرق القاهرة، أن التوسع في التحول الرقمي للإصدارات الورقية دون خطة شاملة تحدد الهدف والمطلوب منها بشكل مهني يقضي على ما تبقى من الصحافة المصرية، لأن المواقع الإلكترونية بشكلها الحالي لم تجذب الأجيال الجديدة ولا الصحف التقليدية حافظت على جماهيريتها والخطر أن يكون التعاطي مع الأزمة بصيغة اقتصادية بعيدا عن الحلول المهنية المرتبطة بنشر محتوى يحترم عقل الجمهور.

وتمتلك جريدة نيويورك تايمز الأميركية نسخة مطبوعة وإصدارا إلكترونيا، ورغم ذلك مازالت معدلات توزيع صحيفتها الورقية كبيرة وبالتالي فالتقليدية التي تتحدث عنها الهيئات الإعلامية في مصر تبدو محاولة للهروب من الواقع الحقيقي للأزمة، ولم يعد مقبولا أن تستمر بعض الصحف سواء الورقية أو الإلكترونية في أداء دور ساعي البريد الذي يقوم بتوصيل رسائل معينة.

ولدى أغلب الصحافيين شعور بأن مشروع رقمنة الإعلام يستهدف تفعيل قانون الصحافة والإعلام الذي صدر قبل ثلاث سنوات ويقضي بأحقية الدولة في دمج وإلغاء صحف أو مؤسسات، ويصعب تحقيق ذلك دون وجود بدائل إلكترونية بحيث يتم الإبقاء على الصحافيين ويجري التخلي عن ميزانيات الطباعة والأحبار والتوزيع.

وجرى تطبيق فكرة الرقمنة في بعض المجلات الأسبوعية التي تصدرها مؤسسات قومية، لكن التنفيذ بدا أقرب إلى “مجاراة موضة التكنولوجيا” ليس أكثر، وهو ما يثير مخاوف أبناء المهنة من إمكانية التوسع في الانتقال من الإصدارات الورقية إلى إلكترونية بذات الطريقة وتستمر التغطيات الصحافية نمطية ولا ترتبط بالجمهور.

ويمثل تغييب الكفاءات التي يمكنها تنفيذ مشروع التحول الرقمي مشكلة عميقة، حيث يتعمد مسؤولو بعض المؤسسات دفن العناصر المميزة خشية ظهورهم بشكل يهدد وجودهم غير المهني، ومن تبعات ذلك أن بعض القائمين على إدارة المواقع الإخبارية لديهم رؤية منقوصة لقياس جماهيرية منصاتهم ويتعاملون مع دخول الآلاف من الزائرين لقراءة قصة خبرية باعتباره انعكاسا للنجاح، مع أن الموضوع الذي استقطب هذا العدد من الجمهور قد يكون مثيرا وغريبا فقط.

ويتسبب استمرار الصحف في مخاطبة شريحة بعينها من المؤيدين للحكومة وعدم تغيير هذه السياسة مع التحول إلى منصات إلكترونية بفقدانها ما تبقى من جماهيرية لحساب مواقع التواصل، بدليل أن نشر قصة أو رأي أو مناقشة قضية على صفحة إحدى الشخصيات الشهيرة على فيسبوك يتفاعل معه الناس بشكل أكبر من تناولها على موقع إخباري، فمساحة الحرية على الشبكات الاجتماعية مفتوحة ما يؤدي إلى جماهيرية أكبر.

واعترف كرم جبر رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أمام لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الخميس الماضي أن بعض المنشورات على منصات التواصل صارت أكثر تأثيرا من بعض الموضوعات الصحافية.

لكنه لم يتطرق إلى أسباب ذلك صراحة، فهناك صحافيون وكتاب رأي صاروا يفضلون الكتابة على صفحاتهم الشخصية، ومع الوقت تحولت بعض الحسابات إلى منافس قوي، بل إلى بوابة إخبارية بديلة للمنصات الإخبارية الرسمية.

لذلك فخطة التحول الرقمي بهذه المعطيات سيكون محكوما عليها بالفشل مسبقا، ونجاحها، من وجهة نظر حسن علي أستاذ الإعلام، تظل مرتبطة بمدى دراسة القائمين على المشروع لاحتياجات الجمهور وطبيعة المادة الصحافية التي يريدها القراء، مع السماح بسقف حرية مرتفع ومنضبط يقنع الجمهور بأن هذه الصحيفة ورقية أو إلكترونية تتمتع بمصداقية وتستحق المتابعة.

'