مصافحة السيسي وأردوغان: لم يقلبا الصفحة، ولكنْ كلٌّ مشغولٌ بهمومه – مصدر24

مصافحة السيسي وأردوغان: لم يقلبا الصفحة، ولكنْ كلٌّ مشغولٌ بهمومه

القاهرة / الدوحة- لا يمكن وصف اللقاء الذي جمع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على هامش افتتاح مونديال 2022 في قطر، بأنه لقاء مصالحة؛ فقد كان لقاء عرضيًّا في مناسبة عامة من ناحية أولى، ومن ناحية ثانية ليس ثمة ما يؤشر على أنهما قلبا صفحة التوتر الذي طبع العلاقة بين البلدين.

لم يتضمّن كلام الأتراك والمصريين عن اللقاء أي إشارة إلى أن أحدهما قد تنازل أو وعد بمراجعة موقفه، أو أنهما اتفقا على أرضية حوار واضحة. وجاء التفسير التركي والمصري فضفاضا وميّالا إلى العموميات، ما يؤكد أن ما جمعهما ليس سعيهما إلى المصالحة، بل لأن كل واحد منهما مشغول بهمومه، وأن كل حديث عن خطوط دبلوماسية واستخبارية مفتوحة بين البلدين غير دقيق، أو من المبكر الإدلاء به.

وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي في بيان مقتضب الاثنين إنه تم التوافق على أن يكون اللقاء بين السيسي وأردوغان “بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين”.

وأكد أردوغان ما ذهب إليه بيان الرئاسة المصرية، واعتبره خطوة أولى نحو تطبيع العلاقات، معبّرا عن أمله في “نقل المرحلة التي بدأت بين وزرائنا إلى نقطة جيدة لاحقا عبر محادثات رفيعة المستوى. قلنا سابقا إنه يمكن البدء بمسار، وهذه كانت بمثابة خطوة تم اتخاذها من أجل بدء هذا المسار”.

وأضاف أنّ مطلب بلاده الوحيد من المصريين، بالتوازي مع اللقاءات بين البلدين، هو أن يقولوا لمن يتخذ مواقف معادية ضد تركيا في منطقة المتوسط “نريد إرساء السلام في المنطقة”.

ولم يطلب السيسي من تركيا أي تنازل. أردوغان طلب فقط أن تبتعد أنقرة عمن يعارضون تمدد تركيا في المتوسط، أي قبرص واليونان، متجاهلا مواقف مصر نفسها التي عارضت اتفاقياته البحرية مع الحكومة الليبية المتمركزة في العاصمة طرابلس.

وفي المقابل لا يُعرف ما إذا كان أردوغان، الذي حصر مطالبه في عنصر واحد، على استعداد للتنازل عن بقية عناصر الخلاف، وفي مقدمتها دعم الإخوان، وإيجاد حلول لأزمة التغول العسكري والسياسي والاقتصادي لبلاده في ليبيا، أم أن الموضوع الليبي محسوم كونه صار أمرا واقعا فيما الإخوان ورقة تفاوض في متناول اليد؟

 

 إعلاميون قريبون من الحكومة المصرية برروا عقد اللقاء المفاجئ بأن وراءه مصالح وطنية عليا يعرفها السيسي وحده

ويرى مراقبون أن الرئيسين، اللذين يعيشان وضعا معقدا في الداخل لاعتبارات اقتصادية بالدرجة الأولى، لا يعرفان ما إذا كانا يريدان مصالحة أم لا؟ وهل هما مستعدان لنسيان الماضي والعمل على فتح صفحة جديدة؟ ولكن أي صفحة؟ وعلى أي أرضية؟

ذهب السيسي إلى الدوحة وشارك في افتتاح المونديال لإظهار دعمه لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، واضعا نصب عينيه هدفا واحدا وهو الاستفادة من هذا التقارب للحصول على الدعم القطري بأشكاله المختلفة (مساعدات، ودائع، استثمارات، مشاريع…)، ولذلك هو ليس مستعدّا للاستمرار في المناكفات التي سادت خلال السنوات الماضية.

ويعاني أردوغان من تداعيات سياساته المالية على الاقتصاد التركي، وهو يتحرك على أكثر من واجهة لإخراج الاقتصاد التركي من أزماته المركّبة. كما يعاني من مخلفات تدخله في الملف السوري وسعيه لفرض منطقة عازلة بالقوة، وهو وضع جعل تركيا هدفًا لعمليات تفجيرية انتقامية وورّطها أكثر في نزاع مسلح مع الأكراد، فضلا عن أعباء الملايين من اللاجئين. كل هذا دفعه إلى البحث عن مصالحات في الخليج وتهدئة على الجبهة المصرية ولو بشكل مؤقت، لكن دون أن يعرف أفقا لهذه التهدئة وشروطها.

ويشير المراقبون إلى أن اللقاء الذي جرى في الدوحة، وإنْ لم يتم ترتيبه مسبقا، سيزيح عن كاهل الطرفين، وخاصة المصري، مهمة الاستنفار الدبلوماسي والإعلامي للرد على هذا التصريح أو ذاك والبحث له عن تبريرات حتى لا يُفهم منه أن طرفا قد سجل النقاط على حساب الطرف الآخر.

وكشف الخطاب الذي تبناه الإعلام الرسمي في مصر عقب هذه المصافحة عن تحول غير معتاد في مسألة التعامل مع تركيا، حيث دخل مرحلة التفسير: لماذا الآن؟ وهل يمكن أن يحين أوان المصالحة بين البلدين قريبا؟

 

 كلام الأتراك والمصريين عن اللقاء لم يتضمّن أي إشارة إلى أن أحدهما قد تنازل أو وعد بمراجعة موقفه، أو أنهما اتفقا على أرضية حوار واضحة

وحاول إعلاميون قريبون من الحكومة المصرية تجاوز التناقضات المصاحبة لهذه النُّقلة باللجوء إلى تبرير لقاء الدوحة بأنه جاء استجابةً لمصالح وطنية عليا يعرفها السيسي وحده، في تراجع عما كان يردده هؤلاء بشأن الاتهامات الحادة التي وُجّهت إلى النظام التركي.

وذكرت قناة “القاهرة الإخبارية” الحكومية أن قمة ثلاثية جمعت بين السيسي وأردوغان والشيخ تميم بن حمد أمير قطر في الدوحة، ما يعني أن اللقاء لم يحقق اختراقا كبيرا يقود إلى تطبيع سريع للعلاقات، ويمكن وصفه بأنه أكثر من تهدئة وأقل من مصالحة سياسية، ما يشير إلى أن هناك ملفات لا تزال عالقة قد يستغرق التفاهم حولها وقتا طويلا.

وأخرجت مصافحة الدوحة المشاورات والمناقشات بين مصر وتركيا من السرية إلى العلن، فالتهدئة الاضطرارية وقفت خلفها سلسلة من اللقاءات الأمنية التي عقدت في القاهرة وأنقرة وأماكن أخرى.

وعلمت “العرب” أن لقاءات عقدت بين الجانبين على هامش عدد كبير من الاجتماعات الإقليمية والدولية الخاصة بالأزمة الليبية، وأن البلدين تجنبا تحويل نقاط الخلاف إلى مسببات احتكاك على الساحة الليبية.

'