مصر أمام إصلاحات اقتصادية توسع حزام الفقر وتقوي إمبراطورية الجيش – مصدر24

مصر أمام إصلاحات اقتصادية توسع حزام الفقر وتقوي إمبراطورية الجيش

القاهرة- تنتظر الحكومة المصرية الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي قبل نهاية العام الجاري، وتخوض بشأنه مفاوضات صعبة ومطولة وسط تحذيرات من خبراء أن الإصلاحات التي يطلبها الصندوق قد تضع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أمام معادلة صعبة فبدلا من تحسين الوضع الاجتماعي هي ستزيد من حزام الفقر وتقوي سيطرة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد المصري.

وتمضي القاهرة في خطين متوازيين، أحدهما مع الصندوق، والآخر يميل إلى جذب استثمارات تقلل من وطأة الأزمة الاقتصادية عندما يتمكن رأس المال الجديد من الدخول إلى مصر عبر استثمارات واعدة بعد أن تراجعت دول خليجية عدة عن التعامل مع مصر بصيغة المساعدات والمنح.

ماجد مندور: هناك عقبات عديدة تواجه محاولات تقليص تدخل الجيش في المجال الاقتصادي

وقلبت هذه المعادلة حسابات القاهرة التي تواجه مأزقا مع تحملها جزءا من النتائج القاتمة لما حملته الأزمة الأوكرانية من روافد اقتصادية على عدد كبير من الدول، زادت مع وجود تشوهات وتعقيدات يعاني منها الاقتصاد المصري أصلا بسبب تضخم الذراع الاقتصادية للمؤسسة العسكرية.

وأصدر المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بيانا مطوّلا في يوليو الماضي، خلال المفاوضات الجارية للحصول على القرض الجديد، دعا فيه إلى ضرورة إحراز تقدم في مجال الإصلاحات المالية والهيكلية وتقليص الحجم الاقتصادي لنشاط الحكومة وإعادة تنشيط الدور الاقتصادي للقطاع الخاص.

وتتعامل الحكومة المصرية مع مطالب الصندوق بقدر كبير من الحذر خوفا من أن يؤدي تطبيقها إلى خلل اجتماعي على وقع تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية، حيث تميل سياساتها إلى التوفيق بين مطالب الصندوق والأوضاع القاسية التي تعيشها شريحة كبيرة من المواطنين بسبب الزيادات المرتفعة في أسعار السلع والخدمات.

ولجأت القاهرة إلى زيادة برامجها الاجتماعية لتخفيف وطأة النتائج المترتبة على وصفة صندوق النقد الدولي، خاصة إذا طبقتها الحكومة كاملة، وأصبحت في حاجة كبيرة إلى الحصول على القرض لتقليل أزمة شح الدولار التي تؤثر على الاستيراد.

وتراجعت الحكومة عن بعض السياسات التي ألحقت ضررا بعملية الاستيراد من الخارج مؤخرا، وألغت شرط الاعتمادات المستندية في التعامل مع البنوك وسمحت بقيام رجال الأعمال باستيراد بضائع بحرية أكبر بعد أن أدى قرار الوقف إلى التأثير على ندرة بعض السلع الحيوية للمواطن المصري.

ويقول مراقبون إن شروط سياسة صندوق النقد للقرض الجديد سوف تواجه الفشل في معالجة الأسباب الكامنة وراء الأزمة الاقتصادية أو أنها ستلقى صعوبة في التنفيذ.

◙ صندوق النقد الدولي قد يجد نفسه كسبب وشريك في سوء إدارة كارثي للاقتصاد المصري بما سيسببه من عواقب طويلة المدى

ويتمثل أحد مطالب صندوق النقد الدولي في تخفيض قيمة الجنيه الذي كان أحد علاجات السياسة المقترحة في 2016 عندما تلقت مصر قرضا من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، ويؤدي تخفيض قيمة الجنيه نظريا إلى توازن أفضل في أداء المدفوعات مع تحسن الصادرات وانخفاض مستويات الواردات.

ولا يتوقع المراقبون أن يؤدي تخفيض قيمة العملة دفعة واحدة أو بشكل تدريجي كما يفعل البنك المركزي المصري حاليا إلى أداء أفضل، بل سيؤدي إلى زيادة معدلات التضخم وارتفاع معدلات الفقر، حيث يتحمل الفقراء والطبقة الوسطى عبء هذه السياسة.

وأشار ماجد مندور، وهو محلل سياسي وكاتب عمود “سجلات الثورة العربية” لدى موقع “أوبن ديموكراسي”، إلى أن تعامل صندوق النقد الدولي (في بيانه السابق) بدا غامضا لأنه لا يتحدث صراحة عن الإمبراطورية الاقتصادية للجيش ولا المشاريع الضخمة للنظام الحاكم، وكلاهما من العوائق الهيكلية أمام التنمية الاقتصادية الحقيقية.

ولفت إلى أن هناك عقبات عديدة تواجه محاولات تقليص تدخل الجيش في المجال الاقتصادي، أبرزها مقاومة المؤسسة العسكرية السياسية لمثل هذه المحاولات.

ياسر عمارة: مصر جرت فيها وقائع ثورتين متقاربتين زمنيا، تلتهما حالة من عدم الاستقرار ما أضعف الثقة لدى المستثمرين والقطاع الخاص

وقال الخبير الاقتصادي ياسر عمارة في تصريح سابق لـ”العرب” إن البرنامج الاقتصادي الذي تنتهجه مصر قائم على مشاركة القطاع الخاص وليس تهميشه، بدليل طرح الشركات الحكومية في البورصة مؤخرا.

وأضاف أن مصر مرت بمراحل استثنائية وجرت فيها وقائع ثورتين متقاربتين زمنيا، تلتهما حالة من عدم الاستقرار جرّاء العنف والعمليات الإرهابية عقب رحيل حكم الإخوان، ما أضعف الثقة لدى المستثمرين والقطاع الخاص حتى نجحت الحكومة في انتهاج برنامج إصلاح اقتصادي تبعه آخر هيكلي.

ويدور جدل كبير في مصر حول دور الجيش في الكثير من المجالات الاقتصادية وسيطرته على قطاعات مختلفة، أدت إلى التأثير على دور القطاع الخاص وفرصه في المنافسة الحقيقية، حيث تبدو المنافسة غير عادلة، لأن ميزانية الجيش سرية وثمة مشروعات ينفذها غير خاضعة للجهات الرقابية ولا يتم تحصيل ضرائب حكومية منها.

وأوضح ماجد مندور أن الطبيعة الغامضة لهيكل ملكية الشركات المملوكة للجيش والمخابرات تمثل عقبة كبيرة، في ظل عدم وضوح الخط الفاصل بين الملكية العامة والخاصة، وهو ما يصعّب التمييز بينهما.

ومن المحتمل أن تتيح توصيات صندوق النقد الدولي استمرار نموذج النظام للرأسمالية العسكرية، وسيسمح قرض صندوق النقد الدولي للنظام بالعودة إلى أسواق الديون ومواصلة سياسته القائمة على النمو غير العادل الذي يغذيه الدين ونقل الثروة من الفقراء والطبقة الوسطى إلى النخب العسكرية وأصحاب الديون.

ويقود هذا الاتجاه إلى تأجيل الأزمة لبضع سنوات، وعندما يزداد الوضع سوءا مرة أخرى قد تكون التداعيات أشد قتامة مما هو حاصل الآن، وسيقف صندوق النقد الدولي كسبب وشريك في سوء إدارة الاقتصاد المصري، بما يفضي إليه من نتائج بعيدة المدى تتجاوز مصر ويمكن أن تؤثر على المنطقة ككل.

'