مصر تصطف مع الدولة أم البرهان في السودان – مصدر24

مصر تصطف مع الدولة أم البرهان في السودان

حاولت جماعة الإخوان في مصر والسودان حرف الأنظار بعيدا عن التقارب الجديد بين البلدين، والتشكيك في ما يدور من تطورات على مستوى تبادل الزيارات والتفاهمات والاتفاقيات، والتعاون في ملف سد النهضة، وحتى مؤازرة الخرطوم في أزمتها الحدودية مع أديس أبابا.

حاولت الترويج إلى أنها جاءت كلها من رحم التناغم بين المؤسسة العسكرية في البلدين التي ينحدر منها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وينتمي إليها أيضا رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان.

ترمي هذه الإشارة وتكثيف الضوء عليها إلى تحقيق هدفين، أحدهما التلميح بأن الزخم مرتبط بوجود البرهان على رأس مجلس السيادة وبتسليمه السلطة للمكون المدني بمجرد انقضاء نصف المدة سوف يزول الود، والآخر شحن القوى السياسية ضد هذا التقارب وفرملته بذريعة أن السودان سوف يواجه سيناريو شبيها بما تم في مصر، حيث أصبح السيسي رئيسا للدولة بعد أن كان وزيرا للدفاع.

أحدثت التطورات المتلاحقة في العلاقة بين القاهرة والخرطوم صدمة في أوساط الإخوان، لأنها تقطع الطريق على فرصهم السياسية وإمكانية تغيير المشهد بعد حوالي ثلاثة أعوام، وتعمدت وسائل الإعلام التابعة للجماعة تخويف السودانيين بفزاعة العسكريين، وأن الثورة وربيعها السياسي سيتحولان لكابوس يُعيد الجيش إلى الحكم.

ما جرى عند سقوط حكم الإخوان في مصر يثير الانقسام بسبب جدلية الثورة والانقلاب، وهذه قصة مكررة لن أدخل فيها مع يقيني بأن ما حدث كان لابد أن يحدث بالأداتين أو بإحداهما، فقد ارتكب تنظيم الإخوان أخطاء قاتلة هددت كيان الدولة المصرية.

يلعب التركيز على أن دواعي الاصطفاف بين السيسي والبرهان فرضها الانتماء لمؤسسة واحدة على خوف ينتاب الرافضين للتقارب، ويدفعهم نحو استدعاء إشكالية العسكري والمدني لبث الرعب في قلوب المؤيدين، ويعيدون إلى أذهانهم مرارات حكم الجيش لإحداث خلاف داخل السلطة المكونة من شق عسكري وآخر مدني.

انتبه النظام المصري لهذه المعادلة ولم يُقصر علاقته بالبرهان والمؤسسة التي ينحدر منها، وتحاشى اختزال التعاون في الشق الاستخباراتي ووقف التعامل مع السودان باعتباره مشكلة أمنية ودخل في جوهر العلاقات الاستراتيجية التي تحوي تعاونا مع وزارات ومؤسسات وجهات متباينة، تراعي الأبعاد التنموية والخدمية بالتوازي مع المكونات الأمنية، وتدير العلاقة مع الجسمين العسكري والمدني.

بات الاصطفاف يؤطر لعلاقة بين دولتين وليس بين نظامين ليتغلب على إحدى الأزمات التي عكّرت دوما صفو العلاقة بين القاهرة والخرطوم، حيث تتزايد سخونتها أو برودتها وفقا لأجندة النظام الحاكم في كل عاصمة، الأمر الذي أعاق الكثير من طموحات عوّلت على مشروعات تكامل طُرحت في مراحل زمنية مختلفة.

انبثقت المشروعات من قناة المصالح، وغالبيتها كانت تنصّب على الجوانب الاقتصادية، بينما التطورات المتسارعة حاليا تخرج من رحم تهديدات إقليمية مشتركة، تتطلب وجود رؤية شاملة للتعامل معها، وتستلزم القيام بتحركات على أكثر من مستوى، وقناعات تتجاوز المكايدات السياسية لإثيوبيا أو غيرها.

ربما هذه واحدة من المرات القليلة التي يجد فيها التقارب أصداء إيجابية كبيرة داخل البلدين، تتخطى حدود الأحلام السياسية، وتصل إلى مستوى الثقة بعدم التفريط في هذه الورقة، ما يجعل التحالف لا يعبأ كثيرا بطبيعة النظام الحاكم، بقدر ما يولي اهتماما بالتحديات وما تنطوي عليه من فرص، في وقت تتشكل فيه ملامح منطقة، لن تجد فيها دولة مكانا لائقا ما لم تملك أدوات قوة تمنحها قدرة على الفعل والردع.

قد تكون الكيمياء الشخصية التي تجمع بين عبدالفتاح مصر وعبدالفتاح السودان لعبت دورا مهما في التطور الحاصل الآن، لكن لن تكون بمفردها كافية أو ضامنة لاستمرار التفاهم بين البلدين إذا خلت من تعاون يمد بصره إلى ما يصب في خانة الصالح العام، كي لا يتعرض لانتكاسة مع تغير ما أو اهتزاز في نظام الحكم.

يقود البرهان مرحلة انتقالية حرجة، واتخذ إجراءات شجاعة تردد كثيرون في الإقدام عليها، في بلد مثقل بأزمات كبيرة وفيه أحزاب مدنية نشطة، وقوى شبابية تتطلع لرؤية ثمار الثورة التي شاركت فيها بعد أن أسقطت نظام عمر البشير.

يشير التناغم مع مصر دون تردد وفي مرحلة بالغة الحساسية إلى وجود توافق سياسي على هذا التوجه، ينهي فترة كان الانقسام فيها على مصر وحولها كبيرا، ويعيد الاعتبار بصورة عملية لفكرة التكامل بعيدا عن الشعارات التي تم التغني بها ولم تفض إلى حدوث تقدم ملموس على أي من مستوياته العملية.

يأتي الضمان الحقيقي من مصير وادي النيل الذي أصبح نواة تفرض التحالف لمواجهة تهديدات إقليمية مرجح أن تتعاظم إذا سلكت القاهرة والخرطوم طريقين منفصلين، وتتراجع مع كل خطوة تميل نحو التكاتف، ففي هذه المرحلة يجب إرساء قواعد متينة ورسم خارطة للمستقبل، بصرف النظر عن طبيعة النظام الحاكم في كليهما.

من المهم أن ينأى السودان بنفسه عن الصراعات الداخلية، ويبتعد عن العودة إلى الدائرة الجهنمية لجماعة الإخوان، كما حصل في مصر، ويعيد الاعتبار لفكرة دولة المواطنة، ويستغل اتفاق السلام مع الجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة وتنظيمات سياسية عديدة، حيث أدى تمزق الولاءات إلى التأثير سلبا على وحدة البلاد.

يزيل اصطفاف القاهرة مع الدولة السودانية التباسات بشأن ما يتردد حول البراغماتية المصرية في التعامل مع الخرطوم، ويعزز الثقة في جميع القوى الوطنية المتفقة مع مصر والمختلفة معها تاريخيا، في الحكم أو المعارضة، وينهي جانبا معتبرا من المشكلات، وربما يفتح طاقة أمل لحلها، فلن يصبح مثلث حلايب وشلاتين مثلا أزمة تطفو من وقت لآخر، فنتائج التقارب الوطني تتكفل بعلاجها بصيغة ترضي الطرفين.

علاوة على أنه نهي فكرة الانحياز للمؤسسة العسكرية ولن يتأثر بوجود أو غياب أحد عناصرها على رأس السلطة، فمع أن عمر البشير في السودان وحسني مبارك في مصر انحدرا منها كانت العلاقة بينهما غير ودية، بل وصلت إلى أسوأ حالاتها بعد تعرض مبارك لمحاولة اغتيال في أديس أبابا وفقا لمخطط دُبر في الخرطوم.

لن يمثل الانتماء أو عدم الانتماء لهذه المؤسسة مقياسا وحيدا للحكم سلبا أو إيجابا على العلاقة بين مصر والسودان، فما يتحكم فيها الآن هو انطلاقها من أسس مشتركة تراعي مصالح الدولة وليس حكامها.

'