منطقة بعيدة لن تستطيع فيها أميركا وحدها هزْم الصين – مصدر24

منطقة بعيدة لن تستطيع فيها أميركا وحدها هزْم الصين

يتركّز التنافس الصيني – الأميركي على تقاسم النفوذ حول العالم في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي المنطقة الأشد اكتظاظا بالسكان وتتميز بالديناميكية الاقتصادية المهمة من الناحية الإستراتيجية، ما يعزز إمكانية تحوّل هذه المنطقة إلى ساحة صدام مستقبلي عنيف بين القطبين العالميين.

واشنطن – تدعم الولايات المتحدة استمرار النظام العالمي الحالي الذي تهيمن عليه مع حلفائها الأوروبيين، بينما تتحدى الصين هذ النظام، وهي ليست وحدها في مساعيها، فقد سبقتها روسيا التي مضت بعيداً في هذا الشوط. ويرى المحلل الإستراتيجي الأميركي هال براندز أستاذ كرسي هنري كيسنجر للشؤون العالمية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأميركية أن أربع دول تشرف جميعها على منطقة المحيطين الهندي والهادئ يمكن أن تحسم نتيجة أي مواجهة أميركية – صينية.

ولم تكن تحذيرات أولئك الذين توقعوا أن تقوم الصين بغزو تايوان تلقى آذاناً صاغية في دوائر صنع القرار وأروقة الدبلوماسية الأميركية، إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا وموقف الصين وتصريحاتها وتحركاتها حيال الجزيرة التي تطلب بإعادتها إلى سيادتها جعلت هذا التصور مطروحا لدى قطاع عريض في دوائر القرار والفكر الإستراتيجي الأميركي. 

إلا أن المخاوف تتزايد الآن من إقدام الصين على تفجير صراع إقليمي كبير قد تصعب السيطرة عليه، ويقول براندز إنه سمع من مسؤولين أميركيين، بينهم من يمكن وصفهم بالكاد بأنهم من الصقور، يقولون في جلسات مغلقة إن “واشنطن وبكين قد تدخلان في اختبار قوة خلال السنوات الثلاث أو الخمس المقبلة”.

 

هال براندز: واشنطن وبكين قد تدخلان في اختبار قوة خلال السنوات المقبلة
هال براندز: واشنطن وبكين قد تدخلان في اختبار قوة خلال السنوات المقبلة

 

ويقول قائد البحرية الأميركية إن قتالاً قد ينشب بين الجانبين قبل ذلك الوقت. فالطموح الصيني المتزايد في استعادة السيادة على تايوان وإعادة تشكيل المنطقة سيصطدم بالإصرار الأميركي على منع هذا السيناريو.

سيناريو صراع واسع

وإذا نشبت حرب بين الصين والولايات المتحدة، فلن تكون قتالا بشأن تايوان أو نقطة ساخنة أخرى. فالحرب ستكون قتالا من أجل الهيمنة في منطقة حيوية، وعلى النفوذ العالمي ككل الذي يستتبع ذلك.

أما في حال تعرّض الولايات المتحدة لهزيمة في أي حرب فقد تتحطم القوة العسكرية الأميركية، وتنهار الثقة فيها، في المحيط البحري لآسيا، في الوقت الذي ستتعزز فيه رواية الرئيس الصيني شي جين بينغ حول صعود الشرق واضمحلال الغرب على المسرح العالمي. أما إذا سحقت واشنطن بكين، فسنقول وداعا لفكرة أن الصين قادرة على السيطرة على آسيا وما وراءها.

وبغض النظر عمّن سينتصر في هذه المواجهة المفترضة، يمكن أن تكون لأي حرب أميركية – صينية عواقب هائلة. فقد يتسع نطاق الصراع جغرافيا، مع قيام القوات الأميركية بقطع طرق واردات الطاقة من الصين إلى أوروبا أو استهداف السفن الصينية أينما وجدت. وستكون الحرب بمثابة زلزال اقتصادي يدمر سلاسل الإمداد ويؤدي إلى اضطراب بعض أكثر طرق التجارة زحاما وأهمية على مستوى كوكب الأرض. وسيكون هناك احتمال قوي لاستخدام السلاح النووي في هذا الصراع. كما أن أي حرب في غرب المحيط الهادئ لن تكون حرباً أميركية – صينية فقط، فقد تتغير طبيعة هذه الحرب بناء على خيارات الدول الأخرى في المنطقة.

من سيوقف الصين

 

طبول الحرب تهيمن على الأجواء
طبول الحرب تهيمن على الأجواء

 

سيتوقف أداء الصين في أي معركة تايوانية قادمة على حجم وقوة التحالف المناهض لها. فقدرة الولايات المتحدة على العمل العسكري الفعال عبر مسافات بعيدة في المحيط الهادئ تعتمد على الدعم والخدمات اللوجيستية والقوة العسكرية التي تحصل عليها من شركائها وحلفائها. كما يمكن للدول التي لا تستطيع المشاركة الفعلية في القتال أن تحدث الفارق من خلال السماح للولايات المتحدة أو منعها من استخدام موانئها ومجالها الجوي، أو تجديد مخزون الولايات المتحدة من الذخائر أو الاشتراك في أي عقوبات اقتصادية وتكنولوجية ضد بكين.

إلا أن واشنطن ليست متأكدة من أن الموقف سيكون على النحو الذي تأمله. فمنطقة المحيطين الهندي والهادئ تفتقر إلى التحالف العسكري الواحد واسع النطاق مثل حلف شمال الأطلسي الذي يربط بين الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. لذلك فإن الرد على أي عدوان صيني سيكون عبارة عن لعبة خيارات جيوسياسية.

نطاق الصراع قد يتّسع جغرافيا إذا قطعت القوات الأميركية طرق واردات الطاقة من الصين إلى أوروبا والعالم

في الوقت نفسه يعتبر تجمع “الحوار الأمني الرباعي” الذي يضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة وتجمع “أوكوس” الذي يضم أستراليا وبريطانيا أهم إطارين أمنيين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ويضم التجمعان ثلاثة من أقوى حلفاء الولايات وهم اليابان وأستراليا وبريطانيا، إلى جانب شريك أمني بعيد نسبيا وهو الهند. وتنخرط هذه الدول الخمس حاليا في الجهد الرامي إلى صياغة مستقبل منطقة المحيطين الهندي والهادئ في مواجهة الأطماع الصينية دون أن يصل الأمر إلى درجة الحرب.

لكن إذا نشبت الحرب فستكون هذه الدول بين أخطر رهانات واشنطن للحصول على الدعم الدولي. وسيكون على هذه الدول اتخاذ قرارات صعبة بشأن التعامل مع تلك الحرب.

ويرى براندز في نهاية تحليله أن أي حرب تخوضها الولايات المتحدة في غرب المحيط الهادئ دون حلفاء سيكون مصيرها الهزيمة بنسبة كبيرة. في المقابل فإن الحرب التي يسبقها قيام تحالف ديمقراطي واسع لن يكون في مقدور الصين الفوز فيها. وكلما زادت مخاوف الصين من هذا السيناريو الأخير، ازداد ردع بكين عن اللجوء إلى القوة كخيار أول.

'