من يمثل الحزب الجمهوري؟ – مصدر24

من يمثل الحزب الجمهوري؟

واشنطن – هشام ملحم

إحدى السمات التي تميز حملة المرشح الجمهوري دونالد ترامب عن غيرها من حملات المرشحين الجمهوريين هي أنه لم يحظ بتأييد الأكثرية الساحقة مما يسمى بالنخبة السياسية والفكرية في الحزب أو في التيار المحافظ بشكل عام، لا بل إن ترامب تعرض ولا يزال يتعرض لأقسى أنواع النقد والتجريح من قبل من يفترض أن يكونوا في معسكره، أي المنظّرين للحركة المحافظة، وكتّاب الأعمدة والافتتاحيات.

وهذه هي أول حملة لمرشح جمهوري قبل شهر من الانتخابات الرئاسية ولا تحظ بتأييد أي صحيفة أو مطبوعة محافظة. بعض المعلقين المحافظين المعروفين مثل دافيد بروكس في صحيفة نيويورك تايمز، وجورج ويل في صحيفة واشنطن بوست وبريت ستيفنز في صحيفة وال ستريت جورنال كتبوا أكثر التعليقات بلاغة ضد ترامب، وعلى مدى الأشهر الأخيرة حطموا جميع ادعاءاته بلغة ساخرة جردته من أي ادعاء بأنه يمثل قيم الحزب الجمهوري.

هؤلاء المعلقين وغيرهم في العالمين الأكاديمي والإعلامي وفروا التغطية الفكرية للنخبة السياسية الجمهورية في واشنطن وخاصة تلك المعنية بالسياسة الخارجية والأمن القومي لتنبذ ترامب وترفض الانضمام إلى حملته.

وهذه هي أول مرة لا يحظى فيها مرشح الحزب الجمهوري بدعم المرشح الجمهوري الذي سبقه أو الرئيس أو الرؤساء الجمهوريين السابقين. ورفض مرشح الحزب لعام 2012 مت رومني دعم ترامب، لا بل انتقده بلغة لاذعة للغاية واصفا إياه بالكذبة الكبيرة، كما امتنع الرئيسان بوش عن تأييد ترامب لأسباب سياسية، وشخصية (الإهانات التي وجهها لجيب بوش)، كما قاطع الثلاثة مؤتمر الحزب الجمهوري في الصيف الذي وافق على ترشيح ترامب.

وحتى الآن لم ينضم إلى حملة ترامب أي شخصية جمهورية هامة خدمت في مركز بارز خلال ولايات آخر ثلاثة رؤساء جمهوريين :رونالد ريغان وجورج بوش الأب والابن. وفي الأشهر والأسابيع الماضية وقّع أبرز الخبراء السابقين في الشؤون الأمنية والعسكرية على عرائض أو رسائل نشرت في الصحف والمواقع الإلكترونية نددوا فيها بمواقف ترامب الخطيرة والتي ستلحق أضرارا جسيمة بالأمن القومي، وخاصة تهديده بالتخلي عن حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو مطالبة الأصدقاء القدامى بدفع نفقات “حمايتهم”، والتمييز السافر ضد المسلمين، وعدم إلمامه بمتطلبات مكافحة التنظيمات الإرهابية.

بعض هؤلاء تخلوا مؤقتا عن ولائهم للحزب الجمهوري وأعلنوا أنهم – وبتحفظ كبير- سوف يصوتون لهيلاري كلينتون.

ولكن رفض النخب الفكرية والسياسية الجمهورية لترامب وحملته، لا يعني على الإطلاق أن هناك انسجام بين النخب في واشنطن ونيويورك من جهة والناخب الأميركي العادي من جهة أخرى.

ويبين تحليل لصحيفة نيويوك تايمز حول المعدل الوطني استطلاعات الرأي العام حول الانتخابات أن هناك أكثر من 41 بالمئة من الناخبين سوف يختارون ترامب رئيسا، لو جرت الانتخابات اليوم (مقابل 45 بالمئة لكلينتون). وعلى الرغم من أن هذه الهوة بين نخب واشنطن والمواطنين كانت دائما موجودة خلال الدورات الانتخابية السابقة إلا أن الانقسام الراهن في الحزب الجمهوري بين هذين المعسكرين لا سابقة له. وبغض النظر عن نتائج الانتخابات في الثامن من الشهر المقبل، فإن هذا الشرخ في الحزب الجمهوري سوف يبقى لوقت طويل، بسبب الاستياء العميق في أوساط قاعدة الحزب –الرجال البيض تحديدا- من التغييرات الديموغرافية، مثل ازدياد عدد المواطنين من أصل أميركي-لاتيني، والأميركيين من أصل إفريقي والمهاجرين المسلمين، والتي تراها هذه القاعدة على انها تمثل خطرا عليها وعلى هويتها.

ويطرح ترامب نفسه أمام هذه القاعدة الجمهورية التي تتقلص باستمرار على انه يمثل نقيضا للنخبة الجمهورية التقليدية المتجذرة في واشنطن. وحتى عندما يتعرض لانتقاد حاد من افتتاحية مطبوعة محافظة، فإنه يهاجمها ويدعي أنها جزء من مؤامرة ضده تقف ورائها هذه النخبة الجمهورية التي ضلت طريقها. تقليديا، تشهد الأسابيع القليلة التي تسبق الانتخابات، قيام كبريات الصحف، وأبرز المعلقين بتأييد أحد مرشحي الحزبين الرئيسيين (وفي بعض الحالات النادرة تأييد مرشح مستقل أو مرشح يمثل حزبا ثالثا). وفي ظاهرة لافتة أعلنت صحف محافظة لها أهميتها في مناطق جغرافية معينة رفضها لترشيح ترامب، وبعضها أعلنت عن تأييدها لترشيح كلينتون.

وقبل أيام أثارت مجلة “ذي اتلانتك” جدلا واسعا، عندما أعلنت وبقوة مدوية رفضها المطلق لترشيح ترامب الذي وصفته “بالديماغوجي، والخائف من الأخرين، والمتعصب ضد المرأة والجاهل والكاذب”. المجلة الهامة أعلنت عن تأييدها الفاتر لهيلاري كلينتون. ويكتسب موقف ذي اتلانتك اهمية خاصة لأنها في تاريخها الطويل (159 سنة) أعلنت مرتين فقط عن موقفها من مرشح رئاسي: المرة الأولى تأييدها لابراهام لينكولن في 1860، والثانية تأييدها للمرشح الديموقراطي ليندون جونسون في 1964، لأنها كانت تعارض بشدة المرشح الجمهوري آنذاك باري غولدووتر.

صحيح أن تأييد افتتاحيات الصحف والمعلقين، نادرا ما تؤثر بطريقة ملموسة على اتجاهات الرأي العام، إلا أن الموسم الانتخابي الراهن قد يكون مختلفا في هذا المجال نظرا لنوعية الافتتاحيات المناوئة لترامب. الافتتاحيات المؤيدة لكلينتون كانت متوقعة من صحف ليبرالية مثل نيويورك تايمز، إلا أن افتتاحيات الصحف هذه السنة، مهمة بسبب حدة لغتها، ولأن بعضها يمثل صحفا محافظة إما تتفادى تأييد أي مرشح، أم لم تؤيد مرشحا ديموقراطيا من قبل. وحتى الآن لم يحظ ترامب بتأييد أي صحيفة أو مجلة، أو حتى تأييد أي مطبوعة جهوية أو تتمتع بنفوذ هام في ولاية معينة. إنه بالفعل موسم انتخابي غير معهود.

'