تشير كلمة “ميتافيرس” إلى الواقع المستقبلي الذي أتاحت لنا ثورة “ويب 3” التمتع بما فيه من منصات رقمية متكاملة تقدم المحتوى اعتمادًا على تقنية الواقع الافتراضي والواقع المعزز، وينظر إليه على أنه مستقبل الإنترنت وثورة مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن حاز اهتمام جميع المجالات، من الاقتصاد إلى الطب والفنون والسياحة التي فرضت عليها جائحة كورونا البحث عن حلول جديدة.
باريس – يتزايد اهتمام الجهات المتخصصة في السياحة والفنادق بالخيارات التي توفرها التقنيات الحديثة للتفاعل مع زبائنها، إذ يمكن لهؤلاء أن ينزلوا في أحد الفنادق أثناء وجودهم داخل منازلهم أو أن يرتادوا حلبة تزلج من دون التجهّز بالزلاجات.
ويقول فانغيليس بانايوتيس، وهو رئيس الشركة الاستشارية الفرنسية المتخصصة في القطاع السياحي “إم كاي جي كونسلتينغ”، إنّ “ردة الفعل الأولى على أيّ تقنية حديثة تتمثل في اعتبارها تهديداً، لكنها تشكل في الواقع فرصاً لاكتشاف مساحات وخبرات جديدة، خاصة عندما يكون الزبون توّاقا إلى السفر”.
وقد تخشى بعض الجهات المتخصصة في القطاع السياحي من أنّ يفضّل قسم من المسافرين المحتملين مستقبلاً النزول قرب الحاجز المرجاني العظيم أو زيارة تاج محل من خلال خوذة الواقع الافتراضي.
متخصصون يخشون من أنّ يفضّل المسافرون مستقبلاً النزول قرب الحاجز المرجاني أو زيارة تاج محل بخوذة الواقع الافتراضي
وفي الواقع، ساهمت جائحة كورونا بتسريع عملية استخدام التقنيات الرقمية. كما أنّ النظرة العالمية لتأثير السياحة الضار على السكان والبيئة في المناطق الأكثر استقطاباً للزائرين، من شأنها أن تشجع البشر على تقليص سفرهم.
ولا يبدي المسؤول عن السفر والتنقل لدى شركة “ميتا” جيل ماييه الخشية نفسها، بل يرى وفق ما قال على هامش معرض “فود هوتيل تيك” الذي نُظّم الأسبوع الماضي في باريس، أنّ عالم “ميتافيرس” يتيح خيارات جديدة أمام الجهات العاملة في المجال السياحي.
ويمكن لعشاق السفر والسياحة الآن التنقل إلى أي مكان والاستمتاع بمشاهدة المناطق السياحية من دون أن يعانوا من مشكلة حظر الدخول والخروج من بعض الدول وإليها والتي تمنع الرحلات السياحية، فعبر تقنية “ميتافيرس” وما توفره من مناظر سياحية عبر النظارات والسماعات تتمكن من زيارة أيّ نقطة سياحية تخطر على بالك.
وأصبح الانخراط في عالم “ميتافيرس” واقعاً بالنسبة إلى سلسلة الفنادق الهولندية “سيتيزن إم” التي افتتحت في مارس فندقها الأول في لعبة “ذي ساندبوكس”.
ويقول ناطق باسم المجموعة، “في الوقت الحالي، يشكّل انخراطنا في ‘ميتافيرس’ مرحلة تعلّم حتى نتعرف إلى تفاصيل التجربة التي سيعيشها الزبون في عالم يصبح رقمياً بشكل متزايد”.
وأضاف “لكننا نعتبر أن هذه التجربة يمكن أن تنجح تزامناً مع ما نحققه في العالم الحقيقي، لا أن تشكّل عاملا منافساً له، وهو ما يتيح لنا أن نتفاعل مع جمهورنا بقدر تفاعلنا معه في العالم الحقيقي”.
وتساعد تقنية “ميتافيرس” كثيرًا قبل البدء في الرحلات السياحية؛ عبر استكشاف المناطق والتنوير السياحي الذي يمكن أن تقدمه التقنية والذي يكون أشبه بالحقيقة، فشركة “كلوب ميد” الفرنسية المتخصصة في تنظيم إقامات سياحية في منتجعات خاصة حول العالم، تراهن على الواقع الافتراضي. ومنذ سنة 2017، يستطيع زبائنها أن يزوروا أحد المنتجعات وهم يرتدون الخوذ قبل أن يباشروا بالحجز.
وأطلقت المجموعة في الآونة الأخيرة حملة تواصل من خلال تزويد عدد كبير من المؤثرين بنظارات “راي – بان ستوريز” التي شاركت “ميتا” في تطويرها، لتصوير أنفسهم على حلبات تزلج قرب منتجعاتها في سلسلة جبال الألب.
وتقول الشركة “نستخدم أيضاً أداة جديدة توفر زيارات داخلية وخارجية خلال مواسم عدة وأوقات مختلفة من اليوم لزبائننا الراغبين في شراء شاليهات في مشروعنا الجديد”.
وتوضح أنّ ذلك يمثل تصوراً رقمياً من شأنه أن “يؤمّن ويسرّع عملية اتخاذ القرار” بما يتوافق مع تغيير العادات، مضيفةً أنّ “80 في المئة من معاملاتنا كانت تجري بناءً على حضور الزبائن شخصياً” لكن منذ اعتماد هذا التصوّر “تُجرى نصف المعاملات عن بُعد”.
ولا تزال هذه الاستخدامات محدودة على مستوى القطاع رغم أنّ “سلاسل الفنادق كلها تسعى للجمع بين العالمين الحقيقي والافتراضي”، على ما يؤكد جوليان مالدوناتو، وهو شريك استشاري في الجانب المالي لدى “ديلويت”.
ويرى المتخصصون الذين يدرسون صيغة مختلطة للتجارب أي بين الواقعية والرقمية والتي تتيح للمسافرين أن يستمتعوا برحلتهم بطريقة مختلفة، أنّ الخيارات مهمة في خطوة الدمج.
ويقول فانغيليس بانايوتيس “يمكننا العمل على معدات تتيح للمسافر التنقل إلى أماكن لم يخطط للذهاب إليها، كقضاء عطلة على البحر الأحمر أو القيام بجولة في نهر النيل أو زيارة الأهرامات في الواقع الافتراضي، مع استخدام أجهزة استشعار حسية لإضفاء أجواء صوتية والاستمتاع بالروائح”.
ويشير مالدوناتو إلى أنّ نسخة رقمية طبق الأصل من الفندق من شأنها أن توفر للعملاء تجربة كاملة، إذ “سيستطيعون التفاعل في النسخة الرقمية لطلب الخدمات، من خلال تصوّر المنتجع الصحي قبل الذهاب إليه أو الطعام قبل طلبه”، مضيفاً أنّ “هذه الصيغة قد تكون إيجابية للفندق من ناحية بيع خدماته بشكل أفضل أو الترويج لمنتجات وخدمات أخرى”.
ويستطيع الفندق من خلال هذا التصور أن يعيد إنشاء صلة مباشرة مع الزبائن تحتكرها حالياً منصات الحجز.
ويقول مالدوناتو إنّ “الـ’ويب 3.0” يشكل تهديداً خطراً من ناحية الوساطة للمنصات الكبرى”، مشيراً إلى أنّ الزبائن في الـ“ويب 3.0” يتمتعون بـ“المزيد من الحرية” كما أنّ “علاقاتهم أصبحت مباشرة أكثر مع الفنادق وحتى أكثر قرباً”. ويتابع “المنصات الكبرى بدأت تفكّر كيف ستطوّر أعمالها”.
