نزوح شركات النفط يضع تونس أمام معادلة اقتصادية صعبة – مصدر24

نزوح شركات النفط يضع تونس أمام معادلة اقتصادية صعبة

فرض قرار الشركات النفطية العالمية إيني وشل ببيع عملياتهما للنفط والغاز في تونس معادلة اقتصادية صعبة إذ أن إتمام عملية البيع يعطي إشارات سلبية حول مناخ الأعمال وعدم إيجاد مشتر يعني بالضرورة عودة الأصول إلى الدولة ما يثقل كاهل المالية العامة ويضاعف من الأعباء في ظل شح الموارد وأزمة اقتصادية آخذة في الاتساع.

تونس – يسلط قرار رويال داتش شل وإيني الإيطالية بالانسحاب من تونس الضوء على خطط إعادة الهيكلة وترتيب الأولويات لهذه الشركات التي خيرت الخروج من الأسواق محدودة الإنتاجية للضغط على الكلفة بعد تسجيلها لأضرار تبعا لآثار كورونا في وقت تتزايد فيه تحولات الطاقة النظيفة وتضاؤل رهانات النفط التقليدي.

وقالت مصادر بالقطاع إن رويال داتش شل وإيني الإيطالية تسعيان لبيع عملياتهما للنفط والغاز في تونس، في الوقت الذي يواجه فيه البلد الواقع في شمال أفريقيا صعوبات في استقطاب استثمارات جديدة عقب سنوات من عدم الاستقرار السياسي.

وأوضحت المصادر لرويترز إن شل عينت بنك الاستثمار روتشيلد أند كو لبيع أصولها التونسية، التي تشمل حقلين بحريين للغاز ومنشأة إنتاج برية اشترتها الشركة الإنجليزية الهولندية في إطار استحواذها على مجموعة بي.جي بقيمة 53 مليار دولار في 2016.

وأنتجت إيني نحو 5500 برميل من المكافئ النفطي يوميا في تونس في 2019 ولديها تسعة امتيازات للنفط والغاز وتصريح تنقيب واحد في تونس وفقا لموقعها الإلكتروني.

وقال الخبير الاقتصادي نادر حداد في تصريح لـ”لعرب” إن “خلفيات قرار شركات النفط العالمية إيني وشال بمغادرة تونس هي اقتصادية بحتة نظرا لأن تونس اليوم غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه هذه الشركات خاصة بعد تعطل الإنتاج بسبب اعتصام الكامور وأيضا بسبب مناخ الأعمال المتدهور والبيروقراطية”.

وأشار إلى أن “هذا الخروج ستكون له انعكاسات اقتصادية سلبية في حال عدم وجود مشتر لهذه الأصول بحيث ستعود الملكية آليا إلى تونس ما يزيد من ضغوط الأعباء على الدولة من خلال الشركة التونسية للأنشطة البترولية”.

وأوضح الخبير أن “وجود مشتر ستكون له تداعيات مباشرة بحيث لن يؤثر على موارد الدولة غير أن الأسباب غير المباشرة ستكون سلبية لأنها ستعطي إشارة سلبية إلى رجال الأعمال والشركات الأخرى حول سوء الوضع الاقتصادي ومناخ الأعمال في تونس خاصة على اعتبار الموقع العالمي لهذه الشركات”.

وعزت الخبيرة في الاقتصاد وعضو الهيئة الوطنية للخبراء المحاسبين في تونس عبير بن عون في تصريح لـ”لعرب” أسباب خروج شركة النفط شل إلى “تراجع أرباحها إلى أقل المستويات منذ عشرين عاما بفعل آثار جائحة كورونا ما دفعها إلى تغيير الاستراتيجية وبيع الأصول في تونس ومصر للتقليل من الكلفة في ظل إنتاجية ضعيفة بالنظر إلى قلة عدد آبار النفط في تونس والاحتياطات المحدودة”.

وأشارت إلى أن “ثاني الأسباب يعود إلى الوضع السياسي في البلاد والمشاكل بين أطراف السلطة ما يعطي إشارات سيئة حول مناخ الأعمال ولا يشجع على الاستثمار”. ورجحت السبب الثالث إلى “التسوية الليبية حيث يفضل المستثمرون وجهة ليبيا للاستثمارات في النفط مقارنة بتونس نظرا لكونها بيئة ملائمة للمشاريع النفطية الضخمة والمربحة”.وأشارت الخبيرة عبير بن عون إلى أن “التحولات نحو الطاقة المتجددة أيضا من بين أسباب مغادرة الشركات لتونس التي تعد سوقا صغيرة وغير مستقرة لا تلبي الخطط الاستراتيجية الكبرى لهذه الشركات لاسيما مع كثرة الإضرابات التي أثرت على إنتاجيتها”.

وأعلنت رويال داتش شل  في وقت سابق خطة لخفض تكاليف إنتاج النفط والغاز بما يصل إلى 40 في المئة في إطار برنامج ضخم لتوفير السيولة كي تتمكن من تحديث أنشطتها والتركيز بدرجة أكبر على الطاقة المتجددة وأسواق الكهرباء في ظل تزايد زخم الاقتصاد منخفض الكربون وتحديات المناخ.

وكانت شركات النفط قد دخلت منذ العام 2017 في مسار مفاوضات مع الحكومة التونسية تمهيدا لانسحابها غير أن طول أمد المسار القضائي والقانوني عرقل خروجها حيث تعسّر حسم الأمر بطرق قانونية نظرا للنزاعات القانونية وعدم الاستقرار الحكومي.

ويجمع خبراء أن انسحاب شركات النفط سينعكس حتميا على حضور تونس في السوق المالية العالمية في وقت تحتاج فيه إلى قروض كبيرة لسداد مستحقات ديون ولإنعاش الاقتصاد المنهك من آثار الوباء.

ويأتي النزوح التدريجي في السنوات الأخيرة لشركات الطاقة الغربية الكبرى من تونس عقب تنامي الإحباط من عدم استقرار المناخ التنظيمي والسياسي في البلاد منذ ثورة 2011 التي أدت إلى نضوب الاستثمارات.

كما يأتي في الوقت الذي تسعى فيه كبرى شركات النفط والغاز في العالم إلى بيع أصول تقدر بعشرات المليارات من الدولارات لتقليص الديون والتركيز على الإنتاج الأكثر تنافسية. وقالت وزارة الطاقة التونسية لرويترز إنها لم يتمّ إخطارها رسميا بأن هذه الشركات ستبيع أصولها.

وأكدت المصادر أن شركة الطاقة النمساوية أو.أم.في تعتزم أيضا بيع ما تبقى في محفظتها للنفط والغاز بتونس، وذلك بعد أن قلصت تدريجيا وجودها في البلاد. وامتنعت أو.أم.في عن التعقيب.

وباعت أو.أم.في عام 2018 أغلب محفظتها في البلاد إلى بانورو إنرجي المدرجة في أوسلو مقابل 56 مليون دولار. ويفيد تقريرها السنوي بأنها أنتجت حوالي أربعة آلاف برميل يوميا من المكافئ النفطي في 2019.

وكانت أو.أم.في وشركة النفط الوطنية التونسية قد بدأتا العام الماضي استغلال حقل نوارة للغاز، وهو أكبر مشروع بالبلاد في السنوات الأخيرة، والذي من المقرر أن يرفع إنتاج أو.أم.في إلى عشرة آلاف برميل يوميا من المكافئ النفطي لتصل إلى ذروتها، بحسب الشركة.

وشهدت تونس طيلة الأشهر الماضية توقفا في إنتاج النفط والغاز في حقول الجنوب التونسي، بفعل تواصل اعتصام الكامور، وتعطل إنتاج الفوسفات بمحافظة قفصة ما عمق تأزم الاقتصاد.

وبالتزامن مع تلك الاحتجاجات والاعتصامات لوحت العديد من الشركات النفطية بسحب أنشطتها من البلاد، وسبق أن أرسلت الشركات الأجنبية النفطية في المنطقة والمتضررة من وقف الإنتاج طلبا رسميا لرئيس البلاد قيس سعيّد، للتدخل وحل الخلاف بين المحتجين والحكومة.

وهددت في نص المراسلة التي نشرتها وسائل إعلام محلية، بوقف أنشطتها وطرد “الآلاف” من العاملين. وتضم صحراء تطاوين ستة حقول نفطية تستثمر فيها شركات أوروبية.

وبلغ عجز ميزان الطاقة لتونس نحو 1.71 مليون طن مكافئ نفط خلال موفى مايو 2020 مقابل عجز بنحو 2.09 مليون طن مكافئ نفط خلال نفس الفترة من 2019، أي بتحسن بنسبة 18 في المئة، حسب نشرية حول وضع الطاقة أصدرتها الوزارة في 7 يوليو 2020.

'