هل تجرؤ سوريا على تعويم العملة المحلية – مصدر24

هل تجرؤ سوريا على تعويم العملة المحلية

دمشق – يدور جدل داخل الأوساط الاقتصادية السورية حول احتمال تعويم الليرة بعد أن شهدت انهيارا غير مسبوق بتجاوز سعر صرف الدولار حاجز 4000 ليرة، خصوصا على إثر انهيار عملة لبنان، الذي يكاد يكون المنفذ الوحيد لسوريا بعد تشديد العقوبات بالتزامن مع تطبيق الحكومة لعدد من الإجراءات لتقليل الطلب على الدولار على غرار وقف استيراد بعض المواد.

ويتساءل خبراء حول مدى جرأة الحكومة السورية على القيام بهذه المغامرة التي قد تحقق مكاسب، ولكنها تبقى محفوفة بالمخاطر بالنظر إلى افتقاد المقومات الاقتصادية الكفيلة بنجاح العملية، فضلا عن ضعف دور المصرف المركزي السوري بالنظر إلى محدودية تأثير قراراته في تحديد أسعار الفائدة على أسعار الصرف، واقتصاره على التعامل بين البنوك، فيما تحدد الأسعار الحقيقية من قبل التجار في السوق السوداء.

ورغم ما يمكن أن تحققه الحكومة السورية، من إلغاء دعم السلع وخصخصة عدد كبير من القطاعات والشركات بالعملة الصعبة، إلا أن افتقارها لأدوات التحكم في سوق الصرف بسبب الحصار والعقوبات، يجعل من هذا الاحتمال بعيدا، على الأقل في المرحلة الحالية.

وسجل سعر صرف الليرة السورية منتصف مارس الجاري مستوى متدنيا قياسيا، ليصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى 4190 ليرة للشراء ونحو 4250 ليرة للبيع، مقابل 1250 ليرة السعر الرسمي لدى البنوك.

وقبل اندلاع الثورة في 2011، كان الدولار يصرف بنحو 47 ليرة فقط، ما يعني أن الليرة السورية فقدت 89 ضعف قيمتها في عشر سنوات.

التعويم باهظ الثمن اجتماعيا، إضافة إلى الافتقار لأدوات نقدية للسيطرة على أسعار الصرف

ونجم عن الانهيار في سعر العملة المحلية، ارتفاع غير مسبوق بأسعار السلع، وبات التجار يتحكمون بالأسعار، فيما تقف الحكومة عاجزة عن ضبطها.

ويرتبط تعويم العملة عادة بإلغاء أو تقليل الدعم الحكومي لأسعار السلع، والذي يقدره خبراء في سوريا بنحو 200 مليار ليرة سنويا (حوالي 160 مليون دولار بالسعر الرسمي، ونحو 48 مليون دولار بسعر السوق السوداء).

ويمكن للحكومة إلغاء هذا الدعم من خلال تقليل العجز في الموازنة العامة.

وقدرت الحكومة السورية عجز الموازنة لعام 2021، بنحو 3484 مليار ليرة (حوالي 2.8 مليار دولار بالسعر الرسمي وحوالي 829.5 مليون دولار بأسعار السوق السوداء).

كما تتطلع السلطات إلى خصخصة عدد كبير من القطاعات والشركات الحكومية، وفي حال تعويم العملة فإن عائدات عمليات الخصخصة ستكون بالقيمة الحقيقية لأسعار النقد الأجنبي، والتي توازي أسعار السوق السوداء.

وارتبطت تجارب الدول العربية الخمس، التي عومت عملاتها حتى الآن، جزئيا أو كليا، وهي مصر واليمن والمغرب والعراق والسودان، ببرامج إصلاح اقتصادي بإشراف صندوق النقد الدولي، وكانت شرطا للحصول على تمويل من الصندوق والمؤسسات الدولية الأخرى.

وفي حالة سوريا، فإن تعويما محتملا للعملة قد يجعل النظام أكثر قبولا من جانب المجتمع الدولي عموما، والمؤسسات المالية الدولية على نحو خاص، لاسيما وأن تحرير الاقتصاد يشكل أحد مطالب المعارضة السورية.

غير أن تعويما محتملا للعملة السورية، سيكون ثمنه باهظا على المواطن السوري، إضافة إلى افتقار النظام لأدوات نقدية تمكنه من السيطرة على أسعار الصرف في ظل العقوبات.

على المستوى الاجتماعي وبالنسبة للمواطن السوري، فإن التعويم واسترشادا بتجارب معظم الدول الأخرى، سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع، وبالتالي خروج التضخم عن السيطرة.

ويقدر خبراء الاقتصاد أن معدل التضخم حاليا في البلاد تجاوز 250 في المئة.

في المقابل، فإن متوسط رواتب موظفي القطاع العام ما زالت عند مستوى 50 ألف ليرة شهريا (حوالي 40 دولارا بالسعر الرسمي وحوالي 13 دولارا بسعر السوق السوداء شهريا)، وهو يعادل ما قيمته 700 ليرة فقط قبل الثورة.

في المقابل، فإن تكاليف المعيشة للأسرة من 5 أفراد تتجاوز 700 ألف ليرة (560 دولارا)، وفق مؤشر تكاليف المعيشة الصادر عن المكتب المركزي للإحصاء السوري بنهاية 2020، نصفها (حوالي 350 ألف ليرة) بالكاد يكفي لتغطية حاجة هذه الأسر للطعام.

وسواء أقدم النظام السوري على تعويم جزئي أم كلي للعملة المحلية، فإنه سيواجه معضلة كبرى في توفير نقد أجنبي كاف لضخه في الأسواق، للحفاظ على استقرار الليرة.

السلطات السورية تتطلع إلى خصخصة عدد كبير من القطاعات والشركات الحكومية، وفي حال تعويم العملة فإن عائدات عمليات الخصخصة ستكون بالقيمة الحقيقية لأسعار النقد الأجنبي

ويشير محللون إلى أن الحفاظ على استقرار الليرة سيكون صعبا في ظل عقوبات اتسع نطاقها على سوريا بموجب تطبيق الولايات المتحدة لقانون “قيصر” بدءا من يونيو 2020.

كما يواجه النظام السوري، جراء العقوبات صعوبات في تدفق السلع من وإلى سوريا، ما يجعل من تحقيق التوازن بين العرض والطلب أمرا في غاية الصعوبة، إن لم يكن مستحيلا.

ويواجه المصرف المركزي السوري حالة من الضعف الشديد، جراء محدودية تأثير قراراته بتحديد أسعار الفائدة على أسعار الصرف، واقتصارها على التعامل بين البنوك، فيما تحدد الأسعار الحقيقية من قبل التجار في السوق السوداء.

وبدلا من الآليات المعروفة في الدول الأخرى لضبط سعر الصرف، وهي غالبا أسعار الفائدة وحجم النقد الأجنبي الذي تضخه السلطات النقدية في الأسواق، فإن محاولات ضبط سعر الصرف في سوريا تعتمد على إجراءات أمنية عبر منح التراخيص للصرافين.

ويرى خبراء أن السلطات بقيت في حدود الحلول الجانبية لأزمة الليرة دون الدخول في الحلول الجريئة والمؤلمة، حيث لجأ البنك المركزي السوري مؤخرا إلى رفع سعر صرف الدولار للمنظمات الدولية في محاولة لوقف انهيار العملة وتشجيعه زيادة التحويلات الواردة عبر القنوات الرسمية، بهدف تحريك سعر صرف الحوالات وجعله قريبا من سعر السوق السوداء.

كما علّقت وزارة الاقتصاد السورية استيراد أجهزة الهواتف المحمولة “حتى إشعار آخر”، في خطوة برّرتها الهيئة الناظمة للاتصالات بمنح الأولوية لاستيراد مواد أساسية وسط شحّ الدولار وتدهور الليرة.

وأوضح محلل اقتصادي في دمشق رفض الكشف عن اسمه، أن “القرار يحسّن من سعر الصرف لفترة محدودة، لأنه يُقلل الطلب على الدولار من السوق الموازي أو من المصرف المركزي، لكن بشكل مؤقت”.

وجاءت هذه التحركات بعد دعوة خبراء إلى ضرورة قيام مصرف سوريا المركزي بوضع سياسات تشجيعية لزيادة التحويلات الواردة عبر القنوات الرسمية، أبرزها تحريك سعر صرف الحوالات وجعله قريبا من سعر السوق السوداء.

وأدى تآكل النقد الأجنبي في سوريا إلى إضعاف قيمة الليرة بعد أن فاق الطلب العرض في ظل تدافع لشراء الدولار، مما ضغط على قيمة العملة المحلية ودفعها إلى التهاوي.

'