هل تستوعب مصر الدروس السابقة في الانتخابات البرلمانية المقبلة – مصدر24

هل تستوعب مصر الدروس السابقة في الانتخابات البرلمانية المقبلة

القاهرة – أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر فتح باب الترشح لانتخابات مجلس النواب الخميس المقبل، وهو الغرفة الأولى في البرلمان التي تحتل مساحة من اهتمام الحكومة والقوى السياسية والمواطنين، لأنه الجهة المسؤولة عن تشريع القوانين.

وتحظى انتخابات مجلس النواب بتركيز رسمي كبير، في ظل حرص على منع تسلل عناصر إخوانية إليه مرتدية ثوبا سياسيا مدنيا.

وأخفق حزب “النور” السلفي في الحصول على أي مقعد في انتخابات مجلس الشيوخ التي جرت جولتها الأولى الشهر الماضي، واختتمت جولتها الثانية الأسبوع الماضي.

واعتبر مراقبون أن انتخابات الشيوخ، وهو مجلس استشاري، كانت بروفة للحكومة لمعرفة أوجه النجاح والقصور في ترتيباتها، وجاءت حصيلتها متفاوتة، وتحاول الحكومة في انتخابات البرلمان المقبل تعظيم الإيجابيات وتقليص السلبيات.

وقررت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر، الخميس، فتح باب الترشح من 17 إلى 26 سبتمبر الحالي، وتقام انتخابات مجلس النواب في الداخل والخارج خلال الفترة من 21 إلى 25 أكتوبر المقبل، والإعادة خلال الفترة من 4 إلى 8 نوفمبر.

وتعمدت الحكومة عدم تأجيل الاستحقاقات السياسية لظروف وباء كورونا، لاسيما بعد مرور إجراء امتحانات لأكثر من مليون طالب وطالبة بسلام.

ويقول مراقبون إن الحكومة تحاول تلافي الأخطاء السياسية لتمرير انتخابات مجلس النواب بهدوء، وضمن ضوابط يتوافر لها قدر من النزاهة والحيطة، لأن الأضواء المحلية والخارجية دائما ما تسلط عليها، وتحظى باهتمام بالغ من قبل الهيئات الدولية.

ويضيف المراقبون أن انتخابات الشيوخ مرت بحلوها ومرها، ولم يلتفت إليها كثيرون لعدم تأثيرها على المجريات السياسية، بحكم الطبيعة المعنوية لأعضاء الغرفة الثانية في البرلمان، وانخفاض مستوى تأثيرهم في صياغة التشريعات وصناعة القرارات.

ولم يكن الاعتماد على حزب “مستقبل وطن” في انتخابات الشيوخ مردوده المعنوي موفقا في الشارع المصري، على الرغم من هيمنته على غالبية المقاعد بالتحالف مع بعض الأحزاب ضمن صفقات سياسية متعددة.

وتريد الحكومة أن تمنح شكلا أكثر حرية في انتخابات مجلس النواب، وتشجع بعض الشخصيات السياسية القريبة منها على السعي لتشكيل تحالفات مستقلة توحي في محصلتها بالتنافسية.

وجرى تسريب معلومات بشأن فرض غرامة على من يتخلف عن الإدلاء بصوته لدفع المواطنين للمشاركة في الاستحقاق.

الحكومة تحاول تلافي الأخطاء التي وقعت في انتخابات مجلس الشيوخ لتمرير استحقاق مجلس النواب بهدوء

وتحظى انتخابات البرلمان في مصر باهتمام واضح من شرائح مختلفة، فهي تاريخيا تعد رمزا للقوة والنفوذ والسطوة، ولا تتوانى شخصيات سياسية وقبلية عن خوض منافساتها تحت مظلة الأحزاب القريبة من الحكومة أو المعارضة لها أو بصفة مستقلة.

وتجرى هذه الانتخابات مناصفة بالطريقتين الفردية والقائمة المطلقة، وتتشكل كلاهما من 284 عضوا، ناهيك عن قيام رئيس الجمهورية بتعيين عدد من الأعضاء لإحداث توازن بين القوى المختلفة لسد فجوات وضمان تمثيل المرأة والأقباط والمعاقين.

وشابت تجربة البرلمان السابق المنتهية ولايته رسميا في يناير المقبل الكثير من أوجه القصور في تمثيل القوى والأحزاب السياسية، وارتمائه في أحضان الحكومة، للدرجة التي لم يظهر فيها صوت المعارضة إلا في مرات نادرة وبأعداد قليلة لجمتها الأغلبية التابعة للحكومة.

وكادت التناقضات تفخخ التحالف السياسي الفضفاض المؤيد للحكومة داخل البرلمان، وجاء الأداء العام باهتا وغير مقنع للمواطنين، وارتبط في أذهانهم بقدرته على تشريع المئات من القوانين التي تحكم قبضة النظام الحاكم على كثير من الأمور.

وسادت السنوات التي تلت ثورة يناير 2011 حالة من الفراغ في القوانين، وفرضت المستجدات الحاجة إلى قوانين جديدة لضبط منظومة الأداء في مجالات مختلفة، وهو ما جعل مجلس النواب، الذي انتهت جلساته أغسطس الماضي، يشرّع عددا غير مسبوق من القوانين في دورة واحدة، ولم يسمح بسماع صوت مرتفع للمعارضة فيها.

وتفسر هذه الزاوية الحرص الرسمي على تشكيل برلمان خال من دسم المعارضة، ووجود أغلبية ساحقة مؤيدة له، اعتقادا بأن الفترة الماضية لم تكن تحتمل مناوشات، لأن الدولة أرادت توفير المزيد من الهدوء لتستكمل ترتيب ملفاتها الداخلية والخارجية.

ويشير متابعون إلى أن تركيبة البرلمان المقبل سوف تأتي متباينة نسبيا عن سابقه، لأن دواعي التضييق في المجال العام والتحكم في المفاصل تراجعت، وأثبتت التجربة أن الهيمنة على مجلس النواب لم تعف النظام من التعرض لانتقادات حادة عن طريق وسائل إعلام خارجية، ومنصات التواصل الاجتماعي بل العكس تماما.

ويؤكد المتابعون أن جسم البرلمان الجديد سوف يراعي هذه المسألة من ناحية عدم الممانعة في وجود أعضاء معارضين ضمن المنظومة الوطنية، فنموذج السيطرة التامة أساء لصورة رئيس الجمهورية، ولذلك هناك محاولات لانتقاء أسماء مؤيدة له تتسم بالنزاهة والمصداقية والولاء.

وتسود في الأوساط الرسمية رؤيتين، إحداهما تؤيد الانفتاح، وتعتقد بضرورة تعميم ذلك من خلال دخول هواء سياسي نقي للبرلمان يحفظ ماء الوجه ويزيح الصورة القاتمة عنه، والأخرى تصمم على الرفض خشية تسرب عناصر غير معروفة بانتماءاتها الإخوانية الظاهرة لكنها تعمل لحساب الجماعة.

وبين الرؤيتين تقف الأحزاب المصرية صامتة وعاجزة وغير قادرة على الحركة، حيث فقدت قدرتها الحقيقية على التواجد في الشارع، ما يجعل المواطنين يواصلون عزوفهم عن التصويت، وتتوقف نسبة الإقبال على المصلحة السياسية والمنافع المتبادلة بين مثلث النظام والمرشحين والمواطنين وليس الانتماءات الحزبية.

'