هل ستراجع تونس فوضى التعيينات الحزبية بعد 2011 – مصدر24

هل ستراجع تونس فوضى التعيينات الحزبية بعد 2011

تونس – طرحت أوساط سياسية وحقوقية تساؤلات بشأن مراجعة السلطات التونسية للتعيينات الوظيفية في المؤسسات والإدارات بعد ثورة يناير 2011، خصوصا بعد تدشين مرحلة ما بعد المصادقة على الدستور، وسط إجماع على أن المنظومة السابقة أغرقت البلاد في تعيينات بالولاءات والانتماء الحزبي لتعزيز خزانها الشعبي والانتخابي.

وخيّم شبح التعيينات المشبوهة على الإدارات والمؤسسات التونسية بعد 2011، وسط تسابق حزبي وسياسي من أجل التمكّن من مفاصل الدولة والتحكم في دواليبها، فضلا عن تسهيل إدارة القرارات.

وشهدت تونس بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي حالة استقطاب وتجاذبات سياسية حادة بين الإسلاميين والعلمانيين لم تقتصر على الخيارات الكبرى التي تم انتهاجها بل طالت أيضا التعيينات في الإدارة التونسية التي يرى البعض أنها تخضع للمحاصصة الحزبية.

ومنذ إعلانه للإجراءات الاستثنائية في الخامس والعشرين من يوليو 2021، يسعى الرئيس قيس سعيد لتفكيك التمكين الحزبي في مؤسسات الدولة، حيث تم إعفاء العشرات من المسؤولين في وزارات حساسة مثل وزارة الداخلية.

رافع الطبيب: الإدارة بأجهزتها مخترقة من طرف المافيا ولوبيات الفساد

ويقول مراقبون سياسيون إن المسار التي اتخذه الرئيس سعيّد يتطلب ضرورة القيام بمراجعات في الإدارة من حيث التعيينات والوظائف، فضلا عن الأدوار والمهمات التي أوكلت لأصحابها وفقا لانتماءات حزبية.

ويتهم هؤلاء أحزاب السلطة في المنظومة السابقة بالقيام بتعيينات كبيرة أثقلت كاهل الإدارة التونسية بسبب اعتمادها على “مبدأ الغنيمة والولاءات الحزبية وليس على مبدأ الكفاءة” للهيمنة على مفاصل الدولة ومؤسساتها.

وقال أستاذ العلوم الجيوسياسية رافع الطبيب إن “هذا ما يفرضه العقل السليم والقويم في تسيير شؤون البلاد، ولا يمكن أن نفهم كل هذا العمل المنسّق والواضح لعرقلة أي نوع من أنواع التقدم، إلا بالنظر في التعيينات الإدارية”.

وأضاف لـ”العرب” أن “الإدارة بقضائها وأجهزتها مخترقة من طرف المافيا ولوبيات الفساد، والأخطر من ذلك أن هناك جزءا من المجتمع المدني المنخرط في ذلك الدعم يتشبث بالمنظومة”.

وتابع الطبيب “المشكلة في كل هذه الفوضى بعد 2011، تلك الانتدابات العشوائية وتعيين أشخاص ليست لديهم كفاءة بهدف إفراغ الدولة من دورها وتفكيكها، وبالتالي تبقى مؤسسات ولا توجد دولة أو عقل يسيّرها”.

ويخفي الصراع منذ الثورة عدم ثقة المعارضة في التعيينات التي تقوم بها الحكومات مهما كانت كفاءة المسؤول الذي يتم تعيينه أو نزاهته.

وتعمقت أزمة الثقة إثر حكم الترويكا (2011 – 2014) التي قادت البلاد إثر انتخابات 2011.

وفي سبتمبر 2013 اتهم عبدالقادر اللباوي رئيس الاتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة آنذاك الائتلاف الحاكم وخاصة حركة النهضة بتعمد “زرع أعضائها في مفاصل الدولة والإدارة بشكل أصبحت معه غير محايدة”.

ويقول مراقبون إن نسبة كبيرة من التعيينات التي حدثت زمن حكم الترويكا تسببت في تراجع مردود الإدارة.

كما أدت إلى تجميد الموظفين الأكفاء وعدم قدرة المنتدبين الجدد على إدارة الملفات التي كلفوا بها، مما جعل الإدارة التونسية تشهد أجواء من الاحتقان أدت إلى تراجع الإنتاجية بنحو 50 في المئة، هذا بالإضافة إلى أن حوالي 90 في المئة من المستفيدين من تعيينات العفو التشريعي العام تمت لصالح المنتمين إلى النهضة أو الموالين لها، وكذلك لمجموعات يسارية نجحت في تشغيل المئات من أنصارها داخل الوظيفة العمومية تحت عنوان “المفروزين أمنيا”.

زهير حمدي: الاختراق طال مؤسسات الدولة والمطلوب اليوم تحييد الإدارة

وترى شخصيات سياسية أن عملية مراجعة التعيينات تحتاج إلى جهد كبير، في ظلّ إغراق مؤسسات الدولة بتعيينات سياسية كثيرة على امتداد السنوات العشر الماضية (العشرية السوداء).

وقال أمين عام التيار الشعبي زهير حمدي “أعتقد أن هذا ما يحصل بعد قرارات الخامس والعشرين من يوليو، وتم تغيير بعض المسؤولين”، مضيفا “هذه مسألة ضرورية لأنه تمّ في السنوات الماضية اختراق وملء مؤسسات الدولة بتعيينات حزبية مختلفة، وهو ما أضرّ بالحياة السياسية”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه “تمّ الشروع في مراجعة التعيينات بالإدارات الجهوية والمحلية، ولا بدّ من جهد إضافي لتنقية الإدارة قبل الانتخابات المقبلة التي يجب أن تدور في ظروف ملائمة”.

واستطرد “الاختراق طال جميع مؤسسات الدولة، والمطلوب اليوم تحييد الإدارة”.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، قرّر وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين إدخال تعديلات جزئية على تركيبة ديوانه وإعفاء كاتب عام محافظة الكاف الواقعة بالشمال الغربي للبلاد فضلا عن إعفاء ثلاثين مسؤولا محليا بين معتمد ومعتمد أول من مهامهم.

وفي العام 2019، طالب عدد من النواب التونسيين رئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي بتوضيح التجاوزات التي قام بها على إثر تعيينه لعدد من المستشارين بطريقة غير قانونية في مجلس نواب الشعب ودون استشارة أو إعلام أعضائه.

'