هيمنة الإنترنت تزيد ولاء الشباب للتسوّق الإلكتروني – مصدر24

هيمنة الإنترنت تزيد ولاء الشباب للتسوّق الإلكتروني

يتوقع خبراء أن ينهي التسوق الإلكتروني الشكل التقليدي للمتاجر وعمليات البيع والشراء الحالية في غضون عشرين عاما من الآن. ويبني هؤلاء أسانيدهم على القوة الشبابية الضخمة التي حولت عالم التسوق عبر الإنترنت إلى عالم مواز غير مسبوق وقادر على تحقيق جانب هام من رغباتهم وبعض من طموحاتهم في توفير مصدر للرزق.

تحوّلت الشبكات الرقمية في أقل من عشرين عاما ومنذ ظهور تجارة الإنترنت أو ما يعرف بالتسويق الإلكتروني إلى ما يشبه سوقا ضخمة تمتد شوارعها وتفتح أبوابها في جميع أنحاء العالم. وبدت هذه السوق شاملة لكل شيء كما يمكن أن تمثل شغفا كبيرا أو رفاهية لا جدوى منها. لكنها لم تخيّب الخبراء الذين توقّعوا أن تغير شكل التجارة في العالم وتبتلع عددا من المحلات والأسواق تدريجيا.

أضحى الشباب العرب مؤخّرا جزءا من هذه المنظومة التجارية الضخمة، كزبائن أو تجار. وأظهر “استطلاع رأي الشباب العربي” عام 2019 أن 71 بالمئة من الفئة العمرية (18-24 عاماً) في المشرق والمغرب العربي يتسوّقون عبر الإنترنت مرة شهرياً على الأقل. ويشكّل ذلك ارتفاعا بنسبة 18 بالمئة عن نسبتهم في الاستطلاع الذي أجري العام الماضي.

وتقول بعض الأرقام غير الرسمية إن التسوّق الإلكتروني في البلدان العربية وصلت قيمته إلى حوالي 10 مليارات دولار في العام الماضي.

تعكس هذه الأرقام الوتيرة التصاعدية والسريعة لازدهار هذه السوق ما يكشف قوة وهيمنة الإلكتروني على الواقعي في مجال التسوّق. وتظهر أيضا الخصال التي تجعل التسوّق الإلكتروني يغري الشباب في البيع والشراء كما تقدم وجها عن مدى ارتباطهم بالإنترنت ومواقع التسوّق. فلماذا يتجه الشباب نحو التسوق عبر الإنترنت؟

تأتي الإجابة الأولى في الأغلب متعلقة بعوامل الراحة والتنوع التي توفرها السوق الإلكترونية، كما يؤكد أحمد عبدالعزيز، الطالب بالسنة الأخيرة في كلية التجارة جامعة القاهرة، قائلا “أستطيع أن أشتري كل شيء، من رباط الحذاء إلى سيارة وبيت ومصنع عبر الإنترنت، وكل ذلك بالضغط على زرّ وأنا جالس في مكاني”.

وتابع في تصريح لـ”العرب”، “عندما أحتاج لشراء مستلزمات دراسية مثلا، لا أذهب إلى المكتبة، لكن أشتري من المواقع الكبرى التي تعطيني تنوعا كبيرا ومذهلا من كل شيء أحتاجه ولا أحتاجه، ليس ذلك فقط، لكنها تقوم بتوصيلها حتى باب المنزل”.

زبائن هاربون من الغلاء

البعد النفسي والاجتماعي والاقتصادي حقق توسعا أكبر في التسوق الإلكتروني
البعد النفسي والاجتماعي والاقتصادي حقق توسعا أكبر في التسوق الإلكتروني

رغم أن النماذج الأولى للإقبال على التسوّق الإلكتروني تتعلق بالأريحية في الشراء، إلا أن الإحصاءات الخاصة بأسباب إقبال الشباب العرب على التسوّق تشير إلى عكس ذلك، لأن الشاب العربي تبدو لديه أسباب أخرى عكس أولويات بقية الشباب، ومنها ظروف بلاده.

ويلعب الغلاء وارتفاع الأسعار المتفاقم في الكثير من الدول العربية بسبب ظروف سياسية واقتصادية مضطربة دورا أساسيا في ارتفاع نسبة الشراء عبر الإنترنت وتحول دفة الاختيار نحو المواقع الإلكترونية.

في قطاع غزة، تشير بعض الإحصاءات إلى أن التسوق والتسويق الإلكترونيَّين أصبحا كيانا ملموسا في كل بيت، ومصدر رزق لـما يناهز 35 بالمئة من الشباب هناك.

ويفسّر خبراء ذلك، بأن منطقة مثل غزة تعيش ظروفا اقتصادية صعبة وفقرا متصاعدا بالإضافة إلى الحصار وارتفعت بها معدلات البطالة وتضاعفت المصاعب أمام أصحاب المحلات والتجار، ووجد البعض في البيع والشراء عبر الإنترنت وسيلة مثالية للتعامل مع تلك الظروف.

تقول عفت محمود، وهي شابة من مصر في نهاية العقد العشريني، إن غلاء ملابس والأحذية والأجهزة الإلكترونية بعد تحرير سعر صرف الجنيه المصري، دفعها إلى شراء مستلزماتها كلها من صفحات فردية على منصات التواصل الاجتماعي بنصف ثمنها في المحلات والأسواق.

وتضيف لـ”العرب”، أن الظروف المادية الصعبة وارتفاع الأسعار خاصة أسعار الأشياء والبضائع المستوردة، جعلت الشباب يبحثون عن بدائل موفرة وفي الوقت ذاته تحافظ على قدر من المستوى الاجتماعي الذي عاشوا فيه، ولذلك اتجه الجميع نحو الأسواق الإلكترونية التي توفر حلا لهذه الأمور.

وشرحت محمود، أن عشرات المواقع، لاسيما في مجال الملابس والموضة تضخ منتجات بجودة عالية وأسعار منخفضة مع تنوع كبير، فماذا يمكن أن تقدم لنا المتاجر الفعلية؟

وفتح التسوق عبر الإنترنت مجالات أوسع للشباب لاحتراف مهنة التسويق ذاتها، واستغلال التنامي الكبير في المنظمات التي توفر تدريبا منخفض التكلفة باعتبارها وسيلة لتعزيز الدخل، ويمكن اتباعها كوظيفة تكميلية ومهنة لا تحتاج إلى التفرغ أو الحصول على شهادات علمية، لكنها تحتاج فقط إتقان التعامل الجيد عبر الإنترنت.

تغيرت نظرة الشباب إلى التسويق الإلكتروني للنقيض تماما، من مهنة سيئة السمعة ترتبط بالنصب على العملاء وبيع سلع رديئة لهم إلى الأكثر طلبا حاليا من قبل الشركات، مع تنامي استخدام الإنترنت والانتشار الواسع لاستخدام الهاتف المحمول.

ويشير بعض الشباب إلى أن التسوق عبر الإنترنت يمنح العميل القدرة على حساب متوسط الأسعار بصورة أعلى عكس البيع والشراء التقليديين، مع زيادة التنافس بين البائعين وتقديمهم تخفيضات وتسهيلات للشراء، بجانب منح العميل الفرصة لاستكشاف منتجات جديدة بمجرد ظهورها في بلدها الأصلي، بدلا من الانتظار لسنوات قبل تطوع وكيل محلي لتوفيرها.

ويؤكد أحمد كامل، مدير إحدى شركات الإعلانات والتسويق الإلكتروني، لـ”العرب”، أن انتشار الشراء عبر الإنترنت تزامن مع اختلاف آليات عملية البيع ذاتها، فقديما كان الجميع يخشون استخدام بطاقات الائتمان الخاصة بهم في الشراء وحاليًا أصبحت العملية أسهل عبر الشراء بواسطة طرف ثالث يجلب البضاعة ويحصل على مقابلها بعد تسليمها بالمنزل.

ويرى البعض أن عشوائية أسواق الشراء التقليدية ربما تكون دافعا نحو التسوق الإلكتروني، فحتى الكثير من المتاجر الكبيرة لا توفر أماكن للانتظار ولا مواقف للسيارات وتشهد كثيرا من الطوابير الطويلة أمام موظفي الحسابات أو حتى أمام أركان تبديل الملابس وقياسها ما يجعل تجربة الشراء غير مستحبّة.

مواصفات الارتياح

التسوق عبر الإنترنت فتح مجالات أوسع للشباب لاحتراف مهنة التسويق ذاتها
التسوق عبر الإنترنت فتح مجالات أوسع للشباب لاحتراف مهنة التسويق ذاتها

في ظل حالة اتساع غير مسبوقة للسوق الإلكترونية الموازية، بات التسوق عبر الإنترنت يشمل كافة الإلكترونيات، ويعد سوقا ممتازة للمقبلين على الزواج من الشباب لشراء الأجهزة الكهربائية ومستلزمات المنزل.

وتظهر الفجوة المادية في الأسعار جلية بسبب قلة الضرائب وعدم الحاجة إلى محل لعرض المنتجات والأهم توفير العمالة، واقتصار الأمر على موقع إلكتروني ومندوبي توصيل. ولم يتوقف الأمر على تحوّل الشباب إلى مشترين شرهين عبر الإنترنت، لكن أصبح بعضهم تجارا، بعد أن وجدوا في منصات التواصل الاجتماعي مساحة لعرض المنتجات وتسويقها إلكترونيا، دون حاجة لدفع ضرائب أو رقابة حكومية على بيع الماركات والعلامات العالمية.

وأوضح أحمد أبوبركة، شاب يمتلك صفحة لبيع الأحذية على موقع فيسبوك، لديها أكثر من 20 ألف معجب، أن إقبال الشباب على الشراء الإلكتروني لا يرتبط فقط بالأسعار التي تصل إلى نصف ثمنها في المتاجر العادية، لكن أيضا للتنوع الذي قد لا تجده على أرض الواقع. وتابع في تصريح لـ”العرب”، “هناك نوعان من شراء المنتجات، إما عن طريق الحصول عليها من تجار الجملة بسعر أقل ثم بيعها بسعر أكبر، أو جلب المنتجات من الخارج عن طريق السفر الشخصي العادي، وهنا لا يتكلف البائع ضرائب أو جمارك”.

وأضاف أن الشراء من الخارج يتيح تقديم خدمة وتنوع وجودة أفضل للمشتري، ولذلك يجد كل شاب ما يحتاجه على الإنترنت أكثر مما هو موجود في المحلات.

فرص للنساء

السيدات قوة استهلاكية لا يستهان بها
السيدات قوة استهلاكية لا يستهان بها

أضفى التطور الاجتماعي الذي فرضته التسوق الإلكترونية أهمية خاصة للمرأة، بعد أن حلت أزمات مجتمعية كانت تعكر صفو الشراء، لأن السيدات قوة استهلاكية لا يستهان بها.

وقالت هالة السيد، التي تصف نفسها بالمدمنة على متابعة مواقع وصفحات التسوّق الإلكتروني، إن التسوّق عبر الانترنت يحل أزمة الوقت بالنسبة للمرأة العاملة، ويفتح لها حرية الاختيار والتبضّع من عشرات العلامات التجارية والمتاجر العالمية، بدلًا من رحلة التسوّق الحقيقي التي تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين في التنقل والتورط في الزحام المروري مثلا.

وتعتمد السيد حالًيا على شراء جميع ملابسها عبر الإنترنت ومن محال تجارية خارج مصر وشحنها عبر شركات الشحن الدولية، فطبيعة مهنتها في الإدارة العليا لإحدى شركات السياحة تقتضي منها ارتداء نوعيات فاخرة من الملابس تتماشى مع الصورة الذهنية للشركة الكبيرة التي تعمل بها.

وتميل الفتيات أكثر إلى الإنترنت في شراء بعض البضائع التي تحتاج إلى الخصوصية كمستلزمات العناية الشخصية والماكياج أو الملابس الداخلية بعيدا عن أنظار المارة التي تلاحق أي فتاة تدخل تلك النوعية من المحال أو الخجل الذي ينتابهن حينما يجدن غالبية البائعين من الرجال.

ويوفر التسوّق الإلكتروني فرصة أمام الفتيات المقبلات على الزواج لاختيار السلع التي تردن اقتناءها بأسعار محددة مسبقًا وبما يتماشى مع القدرات المالية للأسرة، على عكس الشراء التقليدي الذي يدخل المشتري في فاصل من السجال مع البائع.

وذكرت سارة عمر، وهي شابة في العشرينات من العمر، أنها عانت أثناء شراء احتياجات تجهيز منزل الزوجية مع والدتها من تصرفات البائعين ومحاولتهم بشتى الطرق إقناعها بشراء المزيد من البضائع التي لا تريدها أو نوعيات معينة ترى أنها لا تناسبها

وفتحت مواقع التسويق الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت مجالاً واسعًا أمامها لشراء بعض السلع غالية الثمن التي لم يستعملها أصحابها، ويريدون التخلي عنها بأسعار مغرية، كما أنها عملت على الحد من إدمانها شراء بضائع لا تحتاجها لمجرد الإعجاب بها لحظيًا، فالشراء عبر الإنترنت يتيح فرصة للتفكير المسبق قبل اتخاذ القرار.

أثّرت العديد من العوامل مثل البعد النفسي والاجتماعي والاقتصادي في تحقيق توسع أكبر في التسوق الإلكتروني، إلا أن الثورة التكنولوجية الحاضرة بقوة في الحياة كان لها النصيب الأكبر في إقبال الشباب على الشراء عبر الإنترنت.

تطوّرات نوعية

لم يتوقف الأمر على تحوّل الشباب إلى مشترين شرهين عبر الإنترنت، لكن أصبح بعضهم تجارا، بعد أن وجدوا في منصات التواصل الاجتماعي مساحة لعرض المنتجات إلكترونيا
لم يتوقف الأمر على تحوّل الشباب إلى مشترين شرهين عبر الإنترنت، لكن أصبح بعضهم تجارا، بعد أن وجدوا في منصات التواصل الاجتماعي مساحة لعرض المنتجات إلكترونيا

ولا تنتهي المسألة عند انتشار الهواتف الذكية التي سمحت بظهور عشرات التطبيقات المختصة بتوفير عروض لبيع المستلزمات، لكن حققت التنافسية بين كبرى الشركات العالمية والعربية مثل، “سوق” و”أمازون” و”إي باي” و”اشتريلي” و”جوميا”، بالإضافة إلى المنافسة الشرسة مع صغار التجار عبر الإنترنت وعلى مواقع التواصل، وسائل جذب متشعبة وعروضا ضخمة وتخفيضات متعاقبة، زادت من الشراء وفرضت المزيد من الولاء على الشباب نحو تلك المتاجر الإلكترونية.

ونقل رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والسياسة، القضية إلى الاحترافية التي تعمل بها مواقع التسوق الإلكتروني في تقديم السلعة وجعلها مغرية للشراء وكمية المعروض غير المتناهي الذي تقدمه مع تنامي ثقافة الاستهلاك بصورة أكبر وسط القطاعات الشبابية لبضائع الغرب حتى لو كانت غير جيدة أو لا تناسب البيئة.

وأضاف أن مواقع التسوق الإلكتروني اكتسبت مصداقية بين الشباب بعد تنامي الاتصالات وتعرّفهم على التجارب الحياتية لمؤسّسيها. فقائمة أثرياء العالم التي منحت مواقع التسوق بصفة عامة ثقة كبيرة لدى الزبون لن يطمح موقع معروف في النصب عليه.

ويميل الشباب دائمًا إلى التغيير ورفض الانتظار، وهي النقطة التي يلعب عليها التسويق الإلكتروني خصوصًا في الملابس وأجهزة الاتصالات، كما جددت المواقع تصميماتها ومظهرها وداعبت الراغبين في خوض تجارب المنافسة، مثلما هو الحال في المزادات الحقيقة أو التعرف على ثقافات غريبة واقتناء جزء منها.

وتشير توقعات إلى مزيد من الإقبال الشبابي على الشراء عبر الإنترنت مع ظهور أجيال جديدة لم تكن المتاجر الفعلية جزءا من حياتهم، وهو ما فرض ضغوطا على المحلات الكبيرة التي بدأت بالفعل في التوسع في عمليات البيع الإلكتروني، غير أنها ما زالت تواجه منافسة شرسة، لأنها لا تستطيع تقديم أسعار تنافسية.

وتبقى في النهاية صفات أساسية من أجل الفوز بحصة الشباب، ومن بين تلك الصفات التي يجب توفرها في المسوّق الإلكتروني، الإبداع في التسويق لجذب أكبر عدد من الزبائن حول المنتج الذي يقوم بالتسويق له، وتحديد أهمية السلع لكل شريحة في المجتمع، ومن خلال عمله وعلاقاته بالشركات يستطيع تحديد دخله الشهري.

'