وجه جديد لمراكز المدن في العالم – مصدر24

وجه جديد لمراكز المدن في العالم

تُسارع مدن كبرى حول العالم الخطى لإدخال تغييرات على مراكزها الرئيسية لتسهيل الخدمات وتوفير الاحتياجات الضرورية للسكان بعد الانتشار الواسع لوباء كورونا وتأثيراته الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي دفع إلى طرح تساؤلات بشأن مستقبل مراكز المدن بعد اللجوء إلى العمل من المنازل وتزايد عمليات الانتقال إلى الضواحي.

لندن – لم تتوان حكومات ودول حول العالم عن التفكير في إدخال تغييرات جذرية على شكل المدن ومراكزها، التي تعد الشريان الأساسي لعجلة الاقتصاد والمال والأعمال، بعد الانتشار المخيف لوباء كورونا وتأثيراته المختلفة على شتى مناحي الحياة.

ودفعت الإجراءات الصحية المتخذة في العديد من دول العالم إلى إدخال تغييرات على طبيعة الحياة وأساليب العيش، بداية من إعادة التفكير في التخطيط العمراني لمراكز المدن، وضرورة الاهتمام بالضواحي التي هاجر إليها الكثيرون هربا من ازدحام المدن والأضرار الناجمة عن ذلك على الصحة العامة.

ويتوقع خبراء المناطق الحضرية أن تستمر التغييرات على طبيعة الحياة في مراكز المدن، بعد تحول عدد كبير من الموظفين إلى العمل من المنازل وتجنب وسائل النقل

العام. وطُرحت تساؤلات مختلفة حول مستقبل مراكز المدن ومناطق الأعمال المركزية بعد المتغيرات الجديدة في العالم.

ولجأت مؤسسات وجهات حكومية في دول عدة إلى العمل على إدخال تطويرات على طبيعة مراكز المدن لتصبح أكثر تكيّفا مع متغيرات الوباء، وما فرضه من إجراءات صحية صارمة أساسها التباعد الاجتماعي.

وعملت الحكومة البريطانية على التخفيف من لوائح التخطيط للسماح بتحويل أسهل للمحلات التجارية إلى الاستخدامات السكنية. كما تخطط كوريا الجنوبية لشراء فنادق ومكاتب خالية وتحويلها إلى مساكن، بينما تشجع سنغافورة على إعادة تطوير المكاتب القديمة وأماكن وقوف السيارات في منطقة الأعمال المركزية الخاصة بها.

ويقول شينتان رافيشيا، رئيس تخطيط وتصميم المدن في شركة “أروب” الاستشارية، إن “منطقة الأعمال المركزية غير مرنة لأنها مصممة لخدمة غرض واحد فقط. لقد تم تصميمها لتستوعب تدفق أعداد كبيرة من الأشخاص في الصباح والمغادرة في المساء”.

وعززت إجراءات الحجر الصحي العام في الكثير من البلدان فكرة التركيز على تطوير المدن بما يتناسب مع الاحتياجات الآنية الناتجة عن الوباء، إضافة إلى التفكير أكثر في الاعتماد على المدن الذكية أو مدن المستقبل وكيفية التعامل مع الأوبئة والأمراض والسيناريوهات الأكثر قتامة.

ويضيف رافيشيا، في تقرير نشرته رويترز، أن “الدفع للقيام بالمزيد من التطورات متعددة الاستخدامات في منطقة الأعمال المركزية هو خطوة نحو الأمام، بما في ذلك التصنيع عالي التقنية والمزارع الحضرية، فضلا عن الإسكان الفاخر وبأسعار معقولة”.

ويرى خبراء أن التغييرات الكبيرة في العالم عبر فرض إجراءات الحجر الصحي كان لها تأثير هائل على مراكز المدن ومناطق الأعمال المركزية، التي كانت عادة مراكز اقتصادية ومولدات رئيسية للدخل للمدن. وتحولت مدن كبرى في العالم إلى “مدن أشباح” في ذروة انتشار الوباء أوائل العام الماضي.

وتركز مبادرات حكومية وغير حكومية في مدن العالم على جعل الخدمات العامة أسهل وتيسير وسائل النقل والسير، إضافة إلى التركيز أكثر على المسائل البيئية والصحية، وإقامة مناطق سكنية متكاملة تجمع بين السكن والعمل والمراكز الترفيهية.

ويقول ماثيو ترايب، المدير التنفيذي لشركة الهندسة المعمارية “كاليسون” في دبي، إنه مع زيادة التركيز على مستويات الصحة والنظافة، ستدفع المدن للحصول على شهادة “ويل”، وهي مجموعة عالمية من معايير البناء للرفاهية من خلال تحسين جودة الهواء والمياه والضوء وإدخال المزيد من عوامل الراحة.

ويعطي ترايب مثالا في منطقة الشرق الأوسط، حيث تم تصميم العديد من المباني بشكل مبالغ فيه. وقال في هذا السياق إن “هناك الآن فرصة لاستغلال التكنولوجيا الذكية وتكنولوجيا النانو لتحسين مواد وأداء المباني، وبالتالي إنشاء جودة أفضل للحياة”.

مدن الدقائق الخمس عشرة

تسوق ورياضة في آن واحد
تسوق ورياضة في آن واحد

تعمل مدن رئيسية في العالم على جعل الحياة أسهل بعد التداعيات المؤلمة للوباء على صعيد الأعمال والاقتصاد والحياة الاجتماعية والصحية. وأعلنت العديد من تلك المدن عن خطط لـ”بناء مجتمعات مفعمة بالطاقة وأكثر قدرة على الصمود”.

وتهدف آن هيدالغو، عمدة باريس إلى إنشاء “مدينة الدقائق الخمس عشرة”، حيث تكون معظم الاحتياجات اليومية على بعد خمس عشرة دقيقة سيرا على الأقدام أو ركوب الدراجة أو المواصلات العامة، لتقليل الازدحام والتلوث وتحسين جودة الحياة.

ويقول ترايب إنه سيتم تبنى المفهوم على نطاق أوسع حيث يفضل السكان البقاء في محيطهم. وسيحتاج المخططون إلى إعادة تشكيل الشوارع للتركيز على احتياجات المشاة، ورؤية الأرصفة كمساحات حيوية للمشي والتنقل.

ويتوقع أن ينتج عن ذلك “مشهد مدينة متغير ليس فقط أكثر مرونة في مواجهة الأزمات المستقبلية، لكنه أكثر شمولا ومصمما وفقا لأولئك الذين يعيشون فيها”.

وشهدت الحدائق والمتنزهات في مناطق الأعمال المركزية أو بالقرب منها انتعاشا، حيث أصبحت هذه المساحات ملاذا لهؤلاء الراغبين في الخروج لممارسة الرياضة واستنشاق الهواء النقي.

وتقول جايا دينداو، مديرة التخطيط الحضري المتكامل في معهد الموارد العالمية في الهند “اكتسبت سلطات المدينة والمواطنون على حد سواء تقديرا جديدا للحدائق والأماكن العامة، وأهمية تحسين نوعية وكمية المساحات المفتوحة، وتطوير إمكانية الوصول إليها”. وتضيف أن هذا الأمر “يشعرها بالتفاؤل بأن السلطات المدنية ستولي المزيد من الاهتمام لتوفير العديد من هذه المساحات في المدن”.

 نظام جديد

وسائل نقل فارغة في قلب العواصم المزدحمة
وسائل نقل فارغة في قلب العواصم المزدحمة

تأثر قطاع النقل العام بشكل مباشر بفعل تداعيات الحجر الصحي في جميع أنحاء العالم، حيث عمل الناس من المنازل وتجنبوا الأماكن المغلقة.

وانخفض استخدام وسائل النقل في لندن بنسبة 71 في المئة عن مستويات ما قبل كورونا، وفقا لبيانات “غوغل موبيليتي ريبورت” اعتبارا من منتصف ديسمبر الماضي.

كما أظهرت البيانات أن استخدام وسائل النقل العام في سيدني انخفض بنحو الثلث، بينما انخفض في نيودلهي بنسبة 43 في المئة.

ويرى توني ماثيوز، المحاضر في مجال التخطيط الحضري والبيئي في جامعة غريفيث الأسترالية، أن “الحماس تجاه وسائل النقل العام قد لا يتعافى بالكامل”.

ويقول إن “أعداد الموظفين قد تقل في المدن لأن البعض سيستمر في العمل من المنزل، مما يقلل الطلب على وسائل النقل العام”.

توني ماثيوز: الحماس تجاه وسائل النقل العام قد لا يتعافى بالكامل لأن أعداد الموظفين قد تقل في المدن

وعملت السلطات في جاكرتا وبوغوتا وغيرهما من المدن على إضافة ممرات للدراجات وأغلقت الشوارع أمام السيارات وذلك مع توجه السكان إلى ركوب الدراجات والمشي واستقلال مركبات التنقل الشخصية.

وتقول دينداو إن “الجانب السلبي هو أن العديد من الأشخاص اختاروا وسائل النقل الشخصية، لكن هناك جانب إيجابي وهو أن عددا كبيرا من وسائل النقل الشخصية هذه يتضمن الدراجات وحلول تنقل نشطة أخرى”.

وخلافا لذلك ومع إفراغ الشوارع الرئيسية ومناطق الأعمال المركزية من سان فرانسيسكو إلى سيدني، ظهرت ما تُسمى بمدن الدونات، من خلال هجر مراكز المدن والتركيز بشكل أكبر على الضواحي.

وتوضح دينداو أنه تم تسجيل “زيادة في الاتجاه إلى الضواحي حتى قبل جائحة كورونا، حيث انتقل المزيد من الوظائف إلى هناك”. وتشير إلى أن هذا “قد يكون مجرد فرصة لوضع سياسات وممارسات جديدة تؤدي إلى اكتشاف تصور جديد لاتفاقية التنوع البيولوجي”.

ومن جانبه، يقول شينتان رافيشيا “ستظهر أنماط جديدة من مناطق أعمال مركزية مصغرة مع زيادة في مراكز العمل عن بعد في الضواحي، بالإضافة إلى المزيد من مساحات العمل المشتركة والمساحات المجتمعية غير الرسمية حيث يمكن للناس التجمع”.

وستحتاج السلطات في مدن مختلفة حول العالم إلى النظر في الأماكن التي قد تنتقل إليها الأعداد النازحة من المدن، وذلك من خلال “بناء مجتمعات حضرية جديدة وتحسين وتطوير النظام الحضري وصفقات الإيجار ومعدلات الأعمال المخفضة”.

تجنب السكان للأماكن العامة والعمل من المنازل تسببا في تأثيرات مباشرة على قطاع النقل العام، الذي يعاني بفعل تداعيات الوباء الاقتصادية والصحية
تجنب السكان للأماكن العامة والعمل من المنازل تسببا في تأثيرات مباشرة على قطاع النقل العام، الذي يعاني بفعل تداعيات الوباء الاقتصادية والصحية

'